منذ إعلان وقف إطلاق النار أو “الأعمال العدائية” في سوريا بعد الاتفاق الأمريكي-الروسي، تراوحت مواقف تركيا بين المرحب والقلق والمؤكد عدم إلزامية القرار بالنسبة إليها.
ويُعدُّ هذا التضارب أمراً قرأ فيه مراقبون مقدمة، يراد منها تمهيد الطريق أمام إمكان انهيار الاتفاق، بشكل جزئي أو كلي، رغم مراهنة أطراف عديدة عليه، كخطوة نحو حل شامل للأزمة السورية. وقد شاركت السعودية تركيا موقفها هذا، فهي الأخرى لا تبدي حماسة للاتفاق. وبينما كانت القوى الدولية تسعى بجهد للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، كانت الرياض تتحدث عن تدخل بري في سوريا بالتنسيق مع أنقرة، والذي رأت فيه أطراف دولية أنه لن يزيد الأمر إلا تعقيدا.
وعلى الرغم من استبعاد تركيا ذلك في الوقت الراهن، فإن الحديث أثمر عن احتضان قاعدة “إنجرليك” التركية طائرات عسكرية سعودية، بينما بدأت أنقرة بقصف الأراضي السورية، واستهداف “وحدات حماية الشعب” الكردية حليفة الغرب والشرق في مكافحة الإرهاب.
وعلى الرغم من تأكيد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين دعم بلاده وقف إطلاق النار، واضطلاع تركيا بدور ناشط في اتخاذ مثل هذا القرار، فإنه أبدى في الوقت نفسه تشاؤمه بسبب أحداث وقعت في الماضي، حين استخدم نظام الرئيس السوري بشار الأسد اتفاقات هدنة سابقة مماثلة لكسب الوقت، بحسب قوله.
لكن متابعين يرون أن الفصائل المسلحة، ومن بينها المدعومة من تركيا، قد تكون هي هذه المرة، التي تبحث عن وقت تلتقط أنفاسها فيه، وتعوض عن عتادها، الذي خسرته بعد الضربات المتتالية للجيش السوري وحلفائه؛ وهو ما أشار إليه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، عندما ربط نجاح وقف إطلاق النار بضبط الحدود مع تركيا والأردن، خوفا من تزويد المعارضة المسلحة بسلاح فقدته بتقدم الجيش السوري شمالا على الحدود السورية-التركية.
وسبق أن أبدت أنقرة شكوكاً حول نجاح وقف إطلاق النار، ودعت إلى استثناء حزب الاتحاد الديمقراطي، أبرز حزب كردي سوري، ووحدات حماية الشعب، من الهدنة، لتصنيفها لهما على أنهما من المنظمات الإرهابية، على غرار تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”. ولعل فشل أنقرة في ذلك هو ما جعل رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو يعلن عدم التزام أنقرة بوقف إطلاق النار إذا ما تعرض أمنها القومي للتهديد، ويؤكد استعداد بلاده لاستهداف الأحزاب الكردية و”داعش”، مبررا ذلك بأن الهدنة لا تعني سوى سوريا. ومن الواضح أن كلامه منطقي نظريا، غير أن الأمر متشابك إقليميا ودوليا؛ فعدم التزام تركيا قد يعني عدم التزام أطراف في المعارضة المسلحة تقف وراءها وتدعمها أنقرة.
وبالتالي قد يكون اتفاق وقف “الأعمال العدائية” مهددا من الداخل السوري إذا ما تعرض أمن تركيا القومي للتهديد، بحسب داوود أوغلو؛ وبذلك لا يمكن الحديث عن نجاح لوقف إطلاق النار ما لم تلتزم به قوى إقليمية ودولية لها أذرعها في تفاصيل الأزمة السورية.
كما أن قرار مجلس الأمن، الذي تبنى الاتفاق الروسي الأمريكي حث المجموعة الدولية لدعم سوريا على استخدام نفوذها لدى أطراف وقف العمليات القتالية، للإيفاء بتلك التعهدات ودعم الجهود الرامية لتهيئة الظروف من أجل وقف دائم لإطلاق النار. وبالتالي أصبح الجميع ملزما بالقرار الأممي، الذي اتخذ بإجماع أعضاء مجلس الأمن.
إن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصلت إليه روسيا والولايات المتحدة، والذي دخل حيز التنفيذ، يمنح بصيص أمل في القضية السورية، بحسب كثيرين. بيد أن الأهمية الفعلية لهذا الاتفاق هي في تحويل أطراف إقليمية من أن تكون جزءا من المشكلة، وجعلها جزءا من الحل.
وهي فرصة في غاية الأهمية إذا ما فــُهم الاتفاق المؤقت بهذا الشكل. لكنه قد يتخذ بعدا آخر، ولا سيما أن التوصل إلى وقف إطلاق النار كان بقرار لم تشارك فيه تركيا أو دول إقليمية أخرى. وحتى مع دعمها له ودفعها حلفاءها في المعارضة المسلحة إلى الالتزام به، فإنها قد تعُدُّ ذلك تهميشا مؤقتا يمهد لإخراج أنقرة من معادلة الحل في سوريا؛ وبالتالي، فإن نجاح الاتفاق الروسي الأمريكي لا يعني بالضرورة النجاح في المراحل اللاحقة؛ إذ إن الحل في سوريا لا بد أن يمر عبر عواصم إقليمية وفي مقدمتها أنقرة.
سيريان تلغراف | سامي لسمر