كل أنظار القادة السياسيين والمراقبين والمحللين الاستراتيجيين ومن يدور في فلكهم من المستشارين في العالم توجهت إلى اجتماع ميونيخ وإلى ما سيؤول إليه.
اجتماع وزيري الخارجية الروسية سيرغي لافروف والأمريكية جون كيري، وأكثر المتفائلين، وأنا واحد منهم، لم يكن يتوقع أن يتفق قطبا السياسة في العالم المعاصر على وقف لإطلاق النار والعمليات العسكرية في سوريا خلال أسبوعين، ولا سيمّا أن السيد لافروف ترك الباب مفتوحا لمحاربة المنظمات الإرهابية مثل “داعش” و”جبهة النصرة” وأخواتها ولم يبد الطرف الأمريكي أي تحفظ حول ذلك.
وبموجب ما ذُكر تم تشكيل فريقين من الخبراء الروس والأمريكان لدراسة الآلية الواقعية والمعقولة لإيقاف إطلاق النار مع تحديد جدول زمني لتنفيذ الاتفاق، مما يسمح بدفع العملية السياسية لتسوية الأزمة في سوريا ويعطي زخما قويا للحوار السوري-السوري في جنيف في 25 فبراير/شباط من هذا الشهر ما بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة.
وفي كل تلك الفترة تواصلت روسيا عن طريق القنوات السياسية والدبلوماسية والعسكرية مع دمشق بكل صدق وشفافية لتنسيق المواقف كحلفاء جديين في المنطقة، وإلى فترة قريبة كانت موسكو تقدم الشكر للقيادة السياسية على حُسن تقديرها وتفهمها للجهود الدبلوماسية الروسية الرامية لدرء أي عدوان خارجي ضد سوريا تحت أية حجة (ملف الأسلحة الكيماوي) أو إسقاط الدولة السورية في أيادي المنظمات الإرهابية والمعارضة المسلحة( التدخل الروسي العسكري لمحاربة الاٍرهاب الدولي) أو عزلها سياسيا ودوليا ( الأمم المتحدة ومجلس الأمن ) بشكل كامل.
وفي ضوء تلك المعطيات توقعت من مستشاري الرئيس السوري بشار الأسد أن يستشيروه بسحب البساط من تحت أقدام الإدارة الأمريكية، ومعها الغرب بتقديم الشكر للولايات المتحدة وحلفائها على دورها الجديد البنّاء الساعي إلى وقف إراقة الدماء على الأراضي السورية، وأن سوريا مستعدة لإنجاح هذا الاتفاق وتنفيذه ولن تترك حجة لأحد في إعاقة الحوار السوري-السوري، وبذلك تعطي للموقف السياسي الروسي مصداقية وقوة وجدية في معركته السياسية والدبلوماسية للخروج بحل سلمي سياسي للأزمة في سوريا وفي معركته ضد الاٍرهاب الدولي التي ستدوم طويلا.
وإذ بجهابذة العصر وعباقرة السياسة والإعلام في مدينة الفيحاء يُبدعوننا بنظريات سياسية وأفكار جديدة يجب أن تكون أساسا في برامج الجامعات في العالم وخاصة في كليات العلوم السياسية والدبلوماسية والإعلام.
من هذه اللحظة التاريخية الحاسمة يجب على الجميع أن يصحح معلوماته ويعلم أنه لا يوجد في علم السياسة شيء اسمه الحل السياسي، وإنما يوجد المسار السياسي والمسار العسكري للحل..!! وأن إيقاف إطلاق النار والعمليات القتالية لا يتم إلا بين جيوش الدول ..!! وأن سبب الأزمة في سوريا في الفهم الخاطئ للمصطلحات السياسية على مدار العقود الثلاثة الاخيرة، وأن الحوار السياسي مع المعارضة يعطيها صفة الشرعية ويرفع عنها تهمة الاٍرهاب.!!
ولكي لا أتدخل في الشؤون الداخلية السورية لن أتعرض إلى مفاهيم الوطنية واللاوطنية والوطني الشريف والخائن والإرهابي والخارج عن القانون، فهذا الأمر أتركه لمفكري سوريا وهم كُثر، وأمور كثيرة وكثيرة لا مبرر لذكرها كاملة.
المهم بالأمر أن لا تكون النجاحات العسكرية التي يحرزها الجيش السوري بمساعدة التغطية الجوية الروسية سبباً في الابتعاد عن المسار السياسي لحل الأزمة في سوريا، فمنذ اليوم الأول للتدخل العسكري الجوي كان إعلان القيادة الروسية واضحا عندما أعلنت أنه لا حل عسكريا للأزمة السورية، وأنه يجب أن يكون هناك بالتوازي مع العملية العسكرية لمحاربة الاٍرهاب حوار سياسي حقيقي سوري-سوري للخروج من الأزمة.
وعلى هذا الأساس ضاعفت الدبلوماسية الروسية من جهودها لعقد مؤتمر جنيف 3 وبالتنسيق مع وزارة الخارجية السورية للخروج باتفاق روسي أمريكي بميونيخ لوقف إطلاق النار في سوريا..
وبعيدا عن حرب المصطلحات والتصريحات والمقابلات الصحفية والتلفزيونية لكافة المعنيين في الملف السوري يبقى الشيء الوحيد الذي يجب أن يفهمه الجميع أنه لا حل و لا مسار للخروج من الأزمة في سوريا سوى السياسي.. وأنه لن يستطيع أحدٌ بتاتا تغيير اتجاه التسوية ولن يُسمح له..
كان من الأجدر انتظار المولود( وقف إطلاق النار) وأن يرى الجميع مدى تنفيذه وتأثيره على المسار السياسي للحل السلمي في سوريا.
العملية السياسية هي دائما حرب نفسية طويلة الأمد ينتصر فيها من يُتقن فن الصبر والانتظار وليس المراوغة وكسب الوقت.
بقلم: د. زياد سبسبي
نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الفدرالية الروسي