يحمل إطلاق تدريبات “رعد الشمال” رسائل عدة، يحددها المكان والزمان والتطورات الإقليمية؛ ولا يمكن فصل التدريبات الأضخم في تاريخ المنطقة عن الحراك الدبلوماسي السعودي.
وقد أعلنت الرياض أن جنودا من عشرين جيشا من بلدان عربية وإسلامية سوف يشاركون في التمرين العسكري “رعد الشمال”، إضافة إلى قوات ردع الجزيرة. وأشار بيان سعودي إلى أن التمرين “يكتسب أهمية نوعية بسبب عدد الدول المشاركة، والعتاد العسكري النوعي من أسلحة ومعدات عسكرية متنوعة ومتطورة؛ من بينها طائرات مقاتلة من طُرز مختلفة، تعكس الطيف الكمي والنوعي الكبير، الذي تتحلى به تلك القوات”. وأوضح البيان أن المناورات ستتضمن “مشاركة واسعة من سلاح المدفعية، والدبابات، والمشاة، ومنظومات الدفاع الجوي، والقوات البحرية، في محاكاة لأقصى درجات التأهب لجيوش الدول الـ20 المشاركة”.
ويبدو أن السعودية اختارت منطقة حفر الباطن شمال شرق المملكة لبعث رسالة تؤكد قربها من مراكز الخطر، التي تهدد أمنها. فالمنطقة قريبة من الحدود العراقية والسورية، حيث تنشط المجموعات الإرهابية مثل “داعش” وغيرها؛ كما أن قرب المنطقة من إيران يوجه رسالة بأن السعودية وحلفاءها قادرون على ردع إيران.
وتتزامن المناورات الحالية مع اشتداد المعارك في شمال سوريا، وسط شبه إجماع على خفض سقف التوقعات بتنفيذ وقف إطلاق النار بمقتضى بيان ميونخ منذ أيام. كما تأتي في ظل توقعات سعودية بقرب انتهاء المعارك في اليمن، مع تقدم قوات التحالف والقوات اليمنية المتحالفة معها في إطار عمليتي “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل” نحو صنعاء، وتراجع قوة الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ولا يمكن فصل التدريبات الحالية عن التصريحات السعودية منذ العام الماضي، والتي أعلنت فيها عن تشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب وتنظيم “داعش”، وإصرار السعودية في الأسابيع الأخيرة على التدخل بقوات برية في شمال سوريا.
وبعيدا عن دلالات المكان والزمان، فإن “رعد الشمال” تكشف عن رغبة السعودية في التفرد بدور زعامة العالم الإسلامي، والأخذ بزمام المبادرة بقواها الذاتية، أو بتحالفات مع بلدان عربية وإسلامية.
وربما بدأت السعودية تحضر لدورها الجديد بعد احتلال العراق، وزيادة النفوذ الإيراني في بغداد، حيث أيقنت الرياض أن عليها زيادة قدراتها العسكرية لاحتمال نشوب صراع مع طهران، أو لإثبات قدرتها على الردع.
ويبدو أن السعودية بدأت بزيادة الإنفاق العسكري وبناء تحالفات جديدة للتعويض عن انسحاب أمريكا التدريجي، أو تغيرات في مزاج المؤسسات الأمريكية حيال حلفاء المستقبل. وفي هذا المجال تزداد قناعة النخب السعودية بأن الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية قد يفرز تحالفات جديدة لن تصب في مصلحة بلدهم، وقد يطلق يدها أكثر في المنطقة.
وتاريخيا، كانت الرياض تعتمد على مثلث إقليمي لقيادة المنطقة ضم في حقب تاريخية معينة مصر وسوريا، أو مصر والعراق. ويبدو أن صناع القرار في السعودية باتوا على قناعة بضرورة ملء الفراغ، والاعتماد على قواهم الداخلية بعد سقوط بغداد، وانقطاع حبل الود مع دمشق بعد علاقة من المد والجزر، وانشغال مصر بمشكلاتها الداخلية؛ فضلا عن التباين الواضح في رؤية القاهرة والرياض بشأن التدخلات العسكرية وجدواها في تسوية مشكلات المنطقة المتفاقمة.
وتوجه عملية “رعد الشمال” رسالة مفادها أن السعودية مستعدة، بقيادة تحالف عربي وإسلامي، للعب دور محوري، للعمل في إطار الجهود الدولية، لمحاربة تنظيم “داعش” في سوريا.
وعلى الرغم من اختلاف مواقف السعودية مع كل من روسيا والولايات المتحدة في شأن تسوية الأزمة السورية سياسيا، وإصرار الرياض على ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد، فإن حراكها الدبلوماسي يعمل على عدم التصعيد مع القوى العظمى المشاركة في الأزمة السورية، والتركيز على خلافاتها مع إيران بالأساس.
وقد أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أمس (15 02 2016) أن بلاده تشارك في الحملة الجوية لمحاربة “داعش” منذ سبتمبر/ أيلول 2014. وأكد استعداد الرياض للمشاركة في حملة برية ضد التنظيم الإرهابي، لكنه ربط ذلك بوجود مكوّن بري لهذا التحالف ضد “داعش” في سوريا، وأوضح أن بلاده والإمارات مستعدتان لنشر قواتهما لكن “التوقيت ليس بأيدينا، بل هو مرتبط بقرار الولايات المتحدة”.
سيريان تلغراف | سامر إلياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب)