Site icon سيريان تلغراف

حلف الناتو يجازف “بالغوص في الرمال العربية” بتدخله العسكري في الثورات العربية

نورد أدناه نص حديث ميخائيل بوغدانوف المبعوث الخاص لرئيس روسيا الاتحادية لشئون الشرق الاوسط نائب وزير الخارجية الروسي الى مجلة ” VIP-Premier ” بتأريخ 23 مايو/أيار عام 2012.

س . ميخائيل ليونيدوفيتش ، هل ستنعكس على منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا نتيجة تغير نموذج النظام العالمي ذي القطبين الى النموذج المتعدد الاقطاب ؟

ج . ان تقلص نفوذ الغرب في الشؤون العالمية وتسارع وتسيرة الازمة الاقتصادية والمالية العالمية ، حين أثر الركود في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي واليابان تأثيرا سلبيا في مجمل الاقتصادي العالمي، قد ساعد على نشوء بنية العالم المتعددة المراكز. ان مراكز القوة التي أظهرت قدرات جيوسياسية واقتصادية متزايدة  ، ولاسيما الصين ، تشكل وسطا جديدا للمنافسة ، وغالبا ما تعلن عن أفضليات نموذجها للتطور ، وبضمن ذلك البعد الحضاري له. كما ان احد العوامل التي تحفز صعود الاسلام ، وبضمن ذلك موجة أسلمة الانظمة السياسية التي تجتاح بلدان الشرق الاوسط وشمال أفريقيا حيث تسود هزات عاصفة ، يتمثل في تشوه سمعة نظام القيم الاستهلاكية الغربي.وعموما يقود تراجع الاستقرار الجيوسياسي الى طغيان الاضطراب الجامح وعناصر الفوضى وعدم التكهن بمجريات الاحداث على المستوى الاقليمي.

ونظرا لغياب المواجهة الايديولوجية بين الدول الكبرى ، وإدراك انه ليس بمقدور  دولة واحدة او أي تكتل من الدول معالجة القضايا الدولية الآنية لوحدها ، فأنه يبعث على الحذر سعي بعض اعضاء المجتمع الدولي الى التعويض عن فقدان مواقع الهيمنة التقليدية السابقة، التي كانت تتمتع بها في الاقتصاد والسياسة في العالم، بالاعتماد على استخدام القوة العسكرية. وتعتبر الاحداث الدراماتيكية ل” الربيع العربي” خير مثال على ” الاغراءات ” التي تراود البعض في اجراء عمليات تغيير في بعض المناطق لصالحها ، وإستخدام “عقار تقوية العضلات العسكرية” من أجل ” تشغيل ” اقتصادها ، متجاهلة عندئذ مصالح البلدان ذات السيادة  والاحكام الاساسية للقانون الدولي. وقد حفزت الاحداث ” الثورية ” في بلدان الشرق الاوسط وشمال أفريقيا اتباع الولايات المتحدة في مسار ” إشاعة المذهب الديمقراطي”، لاستغلال العوامل المولدة للنزاعات الداخلية المتراكمة على مدى عشرات السنين.

وكون الاطلسيون سابقة خطيرة في التدخل المسلح في ليبيا تحت غطاء شعارات حماية السكان المدنيين بوقوفهم الى جانب أحد طرفي النزاع. لكن خبرة العراق وافغانستان وكذلك ليبيا نفسها تظهر ان محاولة أعضاء الحلف ” استعراض العضلات”، والقيام بعمليات عسكرية خارج نطاق مسؤولية الحلف تمثل مجازفة تقود” للغوص في الرمال العربية ” لأمد طويل. انها لن تحقق الاهداف المرجوة في البداية ، كما انها تضعف مواقعه الجيوإستراتيجية في ميزان القوى العالمية الراهن.

س . ماهي رؤيتكم لتوزيع القوى الجديد؟

ج . إن استعادة روسيا لمواقعها الدولية ، وتقدم وتوطد الصين لأخذ موقعها في ” النسق العلوي” للسياسة العالمية ، وتعزيز القدرات الاقتصادية والمالية لدول(بريكس)، تتيح جميعها ابداء مقاومة فعالة لأنصار مفاهيم ” التدخل الانساني” و” المسؤولية عن حماية ” المدنيين، وبضمن ذلك في الشرق الاوسط وِشمال أفريقيا.

وبدأت بالزوال المنافسة التي نشأت بصورة مصطنعة في فترة ” الحرب الباردة” وهي المنافسة الثلاثية : الولايات المتحدة – اوروبا الغربية – اليابان. وتقوم المانيا الآن بدور القطب الغربي الثاني المنافس للولايات المتحدة ، بإتخاذها مواقف معتدلة  من سيناريوهات استخدام القوة من جانب واحد.وقد ظهر ذلك بجلاء في اثناء الاحداث الليبية ، ويجري تحسسها اليوم من الوضع حول سورية. كما ان تخلص اليابان من نمط الحياة الغربي وعودتها الى جذورها الاسيوية الاصلية يجعل هذه البلاد  عنصرا هاما في إحلال ” التوازن” في الشرق الاقصى الى جانب نهضة الصين.اما الاوروبيون الذين يواصلون بنشاط اعادة توجهات قدراتهم الاقتصادية والسياسية عبر الاتحاد الاوروبي فأنهم يبحثون عن خانة جديدة لهم في منظومة الاحداثيات الدولية المعاصرة.  وفي الوقت نفسه تتشكل آليات أكثر مرونة من الشبكات خارج التكتلات والاحلاف للتعاون المتعدد الجوانب ، وتتخذ مواقف متعددة الاتجاهات حقا في السياسة الخارجية ضمن إطار دبلوماسية الدوائر البراجماتية. وفيما تتحرك الولايات المتحدة بإتجاه التعامل مع الواقع الاوروبي بشكل أكثر ” نعومة” لا يستثنى أيضا احتمال إجراء تصحيح لمواقفها الدولية والاقليمية.

وبودي ان أنظر بروح الشراكة هذه الى مستقبل التعاون بين روسيا والغرب عموما. طبعا ان أي تعاون هو شارع يكون السير فيه بإتجاهين.وقد تجلى ذلك  عموما في النتائج البناءة  لقمة ” مجحموعة الثماني” التي عقدت في كامب ديفيد مؤخرا.

س . ما هي دروس الاحداث ” الثورية” في الشرق الاوسط وشمال افريقيا التي تحدثتم عنها؟

ج . إن الهبة غير المتوقعة لجماهير الشعب في المنطقة ، والتي عاشت على مدى عقود السنين في إطار انظمة متخلفة عن تطور الزمن بجلاء ، قد أملاها بصورة أساسية الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب في الاقطار العربية ، وبضمن ذلك الناجم عن الازمة المالية العالمية. ومارس تأثيره في ذلك  عدم إستعداد وحتى عدم الرغبة السافرة للنخبة السياسية في اجراء اصلاحات مؤسساتية جذرية نضجت الحاجة اليها في تلك اللحظة بكل جلاء. واعتقد ان الدرس واضح للعيان  وهو ان ما من دولة في المنطقة وخارجها تمتلك المناعة من وقوع هزات واضطرابات اجتماعية، اذا لم يتم تحديثها ، واذا لم تعالج فيها خلال عشرات السنين  المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحادة ، واذا لم تتم تلبية الحاجات الاساسية للسكان.

لكن أوضاع الأزمات نشأت بصورة متباينة مع ان أسبابها واحدة من حيث الطراز؟ ففي تونس جرى اقصاء بن علي بدون وقوع أضرار نسبيا ، اما في الجارة ليبيا فأن الوضع إنزلق بسرعة نحو الحرب الاهلية الدامية، ومما زاد في الطين بلة حدوث التدخل العسكري الاجنبي. وما زال الشعب الليبي يعاني حتى الآن من إنعدام روح المسؤولية هذا لدى عدد من شركائنا. وهذا يعتبر بحد ذاته درسا. واليوم حين تقوم روسيا والصين وعدد من البلدان الأخرى  بتسوية الأزمة السورية  فأنها تضع أمامها المثال الليبي ، وتصبو الى الحؤول دون  تكرار مثل هذا السيناريو الكارثي الذي ستكون عواقبه غير خاضعة للتنبؤ أكثر بحكم الخصوصية السورية. وتعتبر تجربة اليمن في معالجة أوضاع الازمة مفيدة ، حيث أسفرت الجهود المكثفة الطويلة والدور الهام الذي لعبه مجلس التعاون الخليجي ، عن توصل الطرفين الى حل وسط.

بالمناسبة ان الحكم  على دروس ” الربيع العربي” ما زال سابقا لأوانه. ويجب ان ننأى بإنفسنا ذهنيا عن الاتجاهات الخاصة المنفردة لواقعيات اليوم وان نتعامل مع الصورة الكاملة لها.ولننتظر اجراء التحولات الدستورية في بعض البلدان واجراء الانتخابات الديمقراطية الحرة المقررة بنتيجتها. ولننظر كيف ستسلك القوى السياسية الفائزة فيها. ويأتي الى السلطة لاعبون جدد – هم كقاعدة من ذوي التوجهات الاسلامية. ونحن اذ نحترم نتائج ابداء الشعوب العربية لرأيها بصورة ديمقراطية ، نعرب عن استعدادنا للتعامل مع الواقعيات الجديدة هذه ، انطلاقا من الخبرة الايجابية التي تشكلت خلال عقود كثيرة من التعاون المتبادل المنفعة مع بلدان الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.

س. ما هي آثار ” الربيع العربي” بالنسبة الى تسوية النزاع العربي – الاسرائيلي؟

ج . ان استمرار التغيرات الواسعة النطاق في العالم العربي لا يساعد على حل النزاعات الطويلة الأمد في المنطقة وفي مقدمتها النزاع العربي – الاسرائيلي. فالجميع مشغولون بالمشاكل الداخلية الحادة. وفي الوقت نفسه يتولد الانطباع بأن بعض اللاعبين الدوليين قد انشغلوا في القضية الليبية، ومن ثم بالشأن السوري ، الى درجة انه لم يتبق لديهم الوقت والقوة لتسوية النزاعات المزمنة في المنطقة. اما فيما يتعلق الأمر بروسيا فانها بصفتها طرفا نشيطا في “رباعي” الوسطاء الدوليين في الشرق الاوسط  في إجراء الاتصالات مع الطرفين فأنها تسعى بصورة مكثفة الى أقصى حد للمشاركة في العملية السلمية في الاتجاه الفلسطيني – الاسرائيلي. إن من شأن التحرك في مجال تسوية القضية الفلسطينية ان يحسن المناخ العام في الشرق الاوسط ، حيث أنه يقلل من حدة المواجهة ويبرد سخونة اتجاهات التفكير المتطرفة.

س. هل ان “رباعي” الشرق الاوسط لم يفقد قدراته الكامنة ؟

ج . نحن نعتقد ان قدرات هذه الآلية الدولية المرافقة للتسوية الفلسطينية – الاسرائيلية ، كبيرة جدا. حقا ، ان ما تم تحقيقه قليل ، بيد ان المسألة ليست في ” الرباعي”، بل في ان الطرفين لايستطيعان لحد الآن ايجاد أساس مقبول لديهما لإعادة تحريك عملية المفاوضات ذاتها ، والتي ستحدد في إطارها سبل بلوغ تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود عام 1967.

نجن ندعو الى تنشيط جهود “الرباعي” لأطلاق الاتصالات الفلسطينية – الاسرائيلية. وجرت بمبادرة روسيا في 12 مارس/آذار الماضي في نيويورك مشاورات بين وزراء خارجية دول ” الرباعي” ، وفي 11 ابريل/نيسان صدر عن الاجتماع الكامل “للرباعي” بواشنطن  بيان متوازن. وتم التأكيد على جميع عناصر بيان “الرباعي” في نيويورك في 23 سبتمبر/أيلول عام 2011 والذي تضمن  دعوة الطرفين للعودة الى طاولة المفاوضات وثبت فيه الجدول الزمني للتحرك نحو التسوية الفلسطينية – الاسرئيلية قبل نهاية عام 2012. وما زال هذا البيان يعتبر برنامجا للأعمال الجماعية ، لكن يتوقف الكثير ، وأنا اؤكد على ذلك ، على الفلسطينيين والاسرائيليين أنفسهم.

س. هل أحدث ” الربيع العربي ” تغييرات في الموقف من ايران؟

ج . لقد استقبلت طهران في البداية ” الربيع العربي” بالابتهاج ، واعتبرته ” صحوة اسلامية” تواصل حسب رأيها الثورة الاسلامية لعام 1979. وكانوا يأملون هناك في حدوث تغيرات عميقة في الشرق الاوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، من شأنها أن تغير الخارطة السياسية للشرق الاوسط وشمال أفريقيا بتعزيز المواقع المعادية لأمريكا واسرائيل فيها ، وكذلك تقليل مخاوف عدد من الاقطار العربية من ايران.

لكن طهران واجهت بقلق شديد محاولات الغرب لجني منافع سياسية واقتصادية من الاحداث في الاقطار العربية وبالاخص في سورية ، وذلك لإحتمال انتشار عدم الاستقرار بالقرب من حدودها ، وكذلك من احتمال تشكيل ” ائتلاف ” من الدول العربية غايته اضعاف مواقع ايران في المنطقة وفي العالم الاسلامي. وأضطرت ايران بنتيجة هذه العمليات في العالم العربي ،وتطبيق دول الغرب بنشاط لخططها في تثبيت مواقعها بسبب المشاكل التي واجهتها في افغانستان والعراق، الى التقليل من طموحاتها في ان تصبح دولة اقليمية قيادية ذات امكانيات واقعية.

س. “الحزام الشيعي” في المنطقة – هل هو خيال أم واقع ؟

ج.  لقد واجهت محاولات ايران للتأثير في الوضع في بعض بلدان الخليج العربي بإستغلال  “العامل الشيعي” ، ولاسيما في البحرين  مقاومة من قبل جميع بلدان المنطقة بدعم الغربيين. وأعطى نشاط المنظمات الشيعية المعارضة للنظام في البحرين والمملكة العربية السعودية واليمن ، الذريعة الى بلدان الخليج لتفعيل المقاومة ضد ايران على الصعيدين الطائفي والايديولوجي.

وإستخدمت الانظمة المحافظة  العربية الاعلام بنشاط لخلق انطباع لدى المجتمع الدولي بأن طهران تنوي ان تشكل سوية مع العراق وسورية ولبنان” حزاما شيعيا” ما، من شأنه ان يواجه جميع العالم العربي ، وذلك بمبالغتها بجلاء في اظهار امكانيات ايران في ممارسة نشاط تخريبي بإستخدام “الطابور الخامس” الشيعي واللعب على الخلافات التقليدية بين السنة والشيعة.  ونحن اذ لا ننكر وجود اختلافات معينة بين الاتجاهين الرئيسيين في الاسلام فأن المواجهة المصطنعة بين احدهما الآخر تعتبر لعبة خطرة يمكن ان تصب فقط الزيت على نار اوضاع الأزمات الفعلية التي قد تنبثق في بلدان المنطقة بحكم  وجود عوامل موضوعية أخرى وآتية من الخارج. وفي النتيجة يمكن ان يحدث اضطراب خطير للوضع في الشرقين الادنى والاوسط.

في الوقت نفسه يحاولون في طهران عدم الانجرار الى الحملة الدعائية والمضي بها بعيدا بغية عدم الخصام نهائيا مع الانظمة السنية المحافظة العربية. والمهم بالنسبة الى ايران هو عدم السماح الى المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الاخرى بتشكيل تحالف معاد لأيران يمكن ان يفاقم وضع ايران في ظروف وجود عقوبات وتهديدات الغرب.

علما ان الايرانيين يدعمون المظاهرات الاحتجاجية للشيعة في هذه البلدان ، مؤكدين على وجود تمييز ضدهم هناك يتجلى في فرض القيود ليس على أساس طائفي فقط بقدر ما يفرض على النشاط السياسي.

وتقيم ايران مع العراق علاقات خاصة باستخدام نفوذها السياسي والعلاقات الاقتصادية والتجارية المتنامية بسرعة بين البلدين. ومن المهم بالنسبة لها على الاخص هو عدم سماح  العراق باستخدام أراضيه كرأس جسر لتوجيه ضربة عسكرية الى ايران. ومن مصلحة طهران أشاعة الاستقرار في جارته وصيانة وحدة أراضيها ، مع الاخذ بنظر الاعتبار العامل الكردي الذي يتسم بأهمية كبيرة  بالنسبة للبلدين كليهما.

وطبعا تحتل سورية مكانة الصدارة من إهتمام القيادة ايرانية الآن. وتعتبرها ايران بمثابة شريك استراتيجي والحليف الرئيسي في المنطقة. وترى طهران ان الحل الوحيد للمشكلة السورية يكمن في تسويتها بوسائل خالية من العنف وبدون تدخل من الخارج ، مع دعم التقارب بين الطرفين المتخاصمين في مجرى  الاصلاحات التي بدأها بشار الأسد ومنها إجراء الانتخبات البرلمانية والرئاسية. وتعتقد القيادة الايرانية ان مبادرة كوفي عنان  المبعوث الخاص لهيئة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية في سورية تتضمن قدرات ايجابية لحل المشكلة السورية عن طريق المفاوضات.

س. ماهي آفاق حل قضية البرنامج النووي الايراني عن طريق المفاوضات؟

ج . ان وجود ” مكونات عسكرية” محتملة للبرنامج النووي الايراني هو ليس أكثر من فرضية تتطلب طبعا الدراسة الوافية ، لكنها لا تعطي المسوغات لتوجيه الاتهامات الى ايران ناهيك عن تنفيذ عملية عسكرية وقائية ضدها ، وهو ما كثر الحديث عنه في الغرب وفي اسرائيل. ولدي قناعة بأنه لا يوجد حل عسكري للمشاكل المتعلقة ببرنامج ايران النووي. ويشاطرني هذا الرأي الكثير من الشركاء الاجانب. ولنأخذ على سبيل المثال البيان المشترك الصادر عن اللقاء الحادي عشر لوزراء خارجية روسيا والهند والصين حيث تم التركيز على عدم جواز انتقال الوضع حول البرنامج النووي الايراني الى طور النزاع ذي العواقب الكارثية.

نحن نتبع بإطراد الخط المبدئي نحو عدم وجود بديل لمواصلة المفاوضات مع ايران على أساس الاحترام المتبادل ومبادئ الحل على مراحل والمبادلة بالمثل. وروسيا تعارض فرض اية قيود بالاضلافة الى العقوبات المتفق عليها في مجلس الأمن الدولي.ان فعالية اسلوب فرض العقوبات لم تستنفد بعد! والمهم ان يرى الجانب الايراني ” بصيص نور في نهاية النفق” وان يفهم انه بعد اغلاق جميع القضايا المتعلقة بالبرنامج النووي ستتمتع ايران بكافة الحقوق التي تتمتع بها الدول الاطراف في معاهدة عدم  انتشار السلاح النووي التي لا تمتلك السلاح النووي.

كما يتعين على ايران ان تنفذ قسما من الالتزامات المنبثقة عن قرارات مجلس الأمن الدولي ومجلس الحكام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

س. لنعد مجددا الى خطر حدوث نزاعات طائفية في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا. ويربط ازدياد نفوذ العلويين بوجود نظام الاسد. ففي حالة رحيله هل سيحدث في سورية اختلال في التوازن الطائفي؟

ج . ان الرئيس بشار الأسد ينتمي حقا الى الاقلية العلوية. لكن حافظ الاسد والد الرئيس السوري الحالي جاء الى السلطة ليس على اساس طائفي بل لكونه يمثل حزب البعث العربي  الاشتراكي. ويومذاك إنضم الى الحزب عدد كبير من أبناء الاقليات القومية والطائفية.ووحدت بين السنة والشيعة والعلويين جميعا فكرة القومية العربية. وتوطد حزب البعث ليس على حساب انضمام العلويين إليه. بالمناسبة ان أسماء الأخرس قرينة بشار الأسد تنتمي الى عائلة سنية معروفة في مدينة حمص السورية.

حقا ان خطر تحول احتدام المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الى صراع طائفي يعتبر كبيرا للغاية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.ويمكن ان تستمر الحروب على هذا الأساس على مدى سنين . ونحن ننطلق من ان من واجب كل رجل سياسة جاد ان يسترشد بمصالح شعب بلاده، وان يضمن له حقوقه المدنية.ولا توجد لدينا ، وهذا أمر مفهوم ، اية محاباة الى أحد المذاهب الاسلامية او أية اديان عالمية أخرى.

س . ما هو مدى خطورة انفجار الوضع في سورية اليوم؟

ج . تملي عدة عوامل باعثة على القلق ضرورة إجراء تسوية سلمية عاجلة للأزمة في سورية. وأحدها ظهور جماعات ارهابية ومنها ” القاعدة ” في الاراضي السورية وتنامي نشاطها هناك. وأحد الأمثلة الاخيرة على ذلك حدوث التفجيرات الاجرامية في دمشق يوم 10 مايو/ايار.ومن الواضح ان الافعال الارهابية الجاري تنفيذها في سورية تطلبت الاعداد المهني الجاد من حيث التنظيم والتمويل وتدريب الانتحاريين. ويبدو جليا للعيان وجود خطر فعلي على الاستقرار الاقليمي. والوسيلة المعقولة الوحيدة للتصدي الى هذا الاتجاه الخطر هي ايقاف العنف فورا واستقرار الوضع في سورية.

س . شبكة الانترنت مليئة بالانباء من سورية ، لكن ما هو مدى مصداقيتها؟

ج . ان مصادر الاخبار كثيرة جدا ، وشركاؤنا الغربيون يشيرون الى قناة ” الجزيرة” والصور الملتقطة بالهواتف الجوالة. ولدينا ايضا انباء من مصادر مختلفة ، ومنها انباء واردة من رعايا روسيا في سورية. علما ان عددهم يبلغ حوالي 30 ألف شخص( الزوجات الروسيات ، وابناء الزيجات المختلطة).  وكل واحد يفسر ما يجري طبقا لميوله.ويجب اجراء فحص موضوعي وتوفر آليات كفوءة للتحقق من الانباء. ويعتبر المراقبون من جامعة الدول العربية أحدها. لكن أثار حيرتنا صدور القرار بسحبهم  ، لأن مجرد وجودهم هناك كان سيساعد على تقليل مستوى العنف. لهذا رحبت روسيا فورا بفكرة إرسال مراقبي هيئة الامم المتحدة الى سورية. ويعمل في دمشق جهاز كوفي عنان ومساعدوه ، وهناك فريق مدني يتولى معالجة المعلومات.  ونحن ننطلق من ان افراد بعثة هيئة الامم المتحدة من ذوي الكفاءة المهنية ويتحلون بالموضوعية. وبموجب التفويض يقوم كوفي عنان بتقديم تقرير مفصل حول الوضع في سورية الى مجلس الأمن الدولي في كل 15 يوما. وهذا شئ هام وبناء جدا. فهو يبلغ في تقاريره المجتمع الدولي وليس ” مجموعة اصدقاء سورية”. بالمناسبة نحن لا نشارك في أعمالها. وحسب منطقنا فأن جميع القضايا يجب ويمكن ان تناقش في إطار الحوار الوطني الشامل بين السوريين أنفسهم. ويبعث على الارتياح لدينا ان هذه المهمة قد أدرجت في ” النقاط الست” لخطة كوفي عنان التي اقرها مجلس الأمن الدولي. ويتضمن تفويض المبعوث الأممي والعربي أجراء الحوار السياسي  بين الحكومة السورية والمعارضة. وحددت وظائف ملموسة لنائبه ناصر القدوة ايضا ، وهو شخصية فلسطينية معروفة وابن شقيقة ياسر عرفات. ولابد من التنويه بأن من واجبه اجراء اتصالات مع المعارضة بغية مساعدتها في توحيد صفوفها واختيار ممثليها لأجراء الحوار مع الحكومة السورية. واقترحت روسيا بدء مثل هذا الحوار بموسكو، أخذا بنظر الاعتبار مخاوف المعارضة من المجئ الى سورية وكذلك عدم قبول السلطات اجراء اللقاء في القاهرة تحت رعاية جامعة الدول العربية التي ” جمدت” مشاركة دمشق فيها. ويتولى إجراء الحوار نيابة عن حكومة  بشار الأسد الشخصية السياسية ذات المكانة المرموقة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع. وكان المقرر ان يجتمع ممثلو مختلف أطراف المعارضة في ” اللقاء التوحيدي” في 16 – 17 مايو/أيار في القاهرة بغية الاتفاق على البرنامج الموحد ومعالجة قضايا التنظيم والكوادر. لكن تم تأجيل اللقاء الى أجل غير مسمى وذلك بطلب من ” المجلس الوطني السوري ” ضمنا.

س . هل ان ” مجموعة الاصدقاء” تقيم علاقات صداقة مع جميع قوى المعارضة السورية ؟

ج . يتم هذا فقط مع المجلس الوطني السوري ، لكنه يصور بصفته ممثلا للشعب السوري. ولا يعجب ذلك ليس دمشق فقط بل الكثير من جماعات المعارضة في داخل البلاد وخارجها التي لا تستطيع لحد الآن ايجاد لغة مشتركة مع المجلس الوطني السوري. ناهيك عن الجماعات التي تمارس النشاط التخريبي ولا تخضع لأحد ولا يوجد لديها اي برنامج سياسي واضح.

س. ما هو دور الجيش في الأزمة السورية؟ وهل ان ظاهرة الهروب من الخدمة قوية فيه كما يؤكدون في الغرب؟

ج . يقف الى جانب بشار الأسد بصفته القائد العام النسق الاعلى من العسكريين الممثل بوزير الدفاع ورئيس الاركان العامة. اما ظاهرة الهروب من الخدمة فهي موجودة لكنها ليست ذات صفة جماعية. وحسب أقوال ممثلي المعارضة ووسائل الاعلام  فأن غالبية الهاربين من الجيش يوجدون في أراضي تركيا. علاوة على ذلك لا يخضع الى أحد  المسلحون الذين يطلقون على أنفسهم تسمية ” جيش سورية الحر” وينشطون  في مختلف مناطق سورية.

س. ما مدى تقبل روسيا لمفاهيم التسوية في سورية التي طرحها كوفي عنان؟

ج . نحن اقترحنا على السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة منذ المرحلة الاولية للنزاع في سورية  تعيين وسيط دولي ذي مكانة مرموقة لتسوية النزاع يوافق عليه  اللاعبون الدوليون الرئيسيون وكذلك بوسعه ان يجلس الطرفين السوريين الى طاولة المفاوضات. وعندئذ عين بان كي مون ونبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية لهذا الغرض كوفي عنان بصفته مبعوثا مشتركا للشؤون السورية ، ونحن أيدنا هذا التعيين فورا ، أخذا بنظر الاعتبار مكانته المروقة وتحليه بالخبرة الكبيرة وبضمن ذلك في مجال تسوية الأزمات.

وقد أكد الجانب السوري في اثناء زيارة وفده الى موسكو جهود عنان في العمل مع الاطراف السورية – السلطات والمعارضة – بغية الخروج من الأزمة واجراء الحوار السياسي الداخلي.

ولابد من الإشارة الى انه جرى في اثناء لقاء سيرغي لافروف مع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في 10 مارس/آذار تثبيت المواقف المفاهيمية المشتركة من مبادئ التسوية في سورية. وقد تضمنت خمس نقاط هي ايقاف العنف من جانب كافة الأطراف وتكوين آلية رقابة محايدة ورفض التدخل الخارجي والسماح بوصول مواد الاغاثة بلاعقبات الى جميع السوريين والدعم الحازم لبعثة كوفي عنان. وقد ارسيت لاحقا في أساس المقترحات المذكورة آنفا المؤلفة من ست نقاط التي قدمها المبعوث الخاص الى الرئيس السوري في دمشق.ومن المهم مبدئيا  ان كوفي عنان أكد في اقتراحاته على النية في مطالبة المعارضة بتنفيذ خطته فورا.واستطاع المبعوث الخاص بدعمنا ان يقنع دمشق بقبول اقتراحاته التي تمت المصادقة عليها في قرار خاص صادر عن  مجلس الأمن الدولي في 21 مارس/آذار.

لقد فتحت موافقة القيادة السورية على تنفيذ خطة كوفي عنان “نافذة  جديدة من الفرص ” في تسوية الأزمة في سورية. وبدأت دمشق بسحب القوات من المراكز السكنية في المواعيد التي حددها المبعوث الخاص. لكن بعض قوى المعارضة ومنها المجلس الوطني السوري تتهرب بكل السبل من تنفيذ خطة عنان. ولهذا يصر الجانب الروسي على ان تطالب جميع الدولة التي لها ي أي أتأثير في المعارضة المسلحة ان تمارسه لخير الشعب السوري وان تطلب منها بحزم  عدم القيام باية استفزازات والالتزام بالهدنة المعلنة في 12 ابريل/نيسان. ونحن ننطلق كالسابق من ان يواصل كوفي عنان عمله بصفته الوسيط الوحيد في التسوية السورية المخول بصلاحيات مجلس الأمن الدولي.

س . ما هي آلية الرقابة في التسوية السورية ؟

ج . بعد مصادقة المجتمع الدولي على خطة كوفي عنان اصبحت أهم مسألة هي الاعداد التفصيلي لبارامترات نشر آلية الرقابة التابعة لهيئة الامم المتحدة. ووجب في البداية ان ترسل الى سورية مجموعة فنية من خبراء هيئة الامم المتحدة بغية الاتفاق مع السلطة بأسرع وقت ممكن على بدء عملية المراقبة الدولية في البلاد ومن ثم ارسال المجموعة الاولى من المراقبين العسكريين الدوليين من أجل تثبيت الهدنة الهشة المعلنة في سورية. ان أي تباطؤ في هذا المجال ينطوي على بدء جولة جديدة من العنف – ويكفي لهذا الغرض حدوث أي استفزاز صغير من اي طرف. ويسرنا ان شركاءنا في مجلس الأمن الدولي اتخذوا موقفا متضامنا بناء وابدوا الاجماع في الرأي حين صوتوا في البداية على القرار رقم 2042 الذي أعده الشركاء الامريكيون بشأن ارسال الفريق الطليعي من المراقبين الدوليين الذين تم تشكيلهم بصورة عاجلة من افراد بعثات السلام الدولية الأخرى ، ومن ثم جرى بالاجماع دعم مشروع القرار الروسي المرقم 2043 حول تشكيل بعثة كاملة من المراقبين العسكريين الى سورية قوامها 300 شخص خلال ثلاثة اشهر. وحدثت تطورات إيجابية  وتقلص مستوى العنف بعد وصول المراقبين الدوليين ، كما ورد ذلك في التقارير الأخيرة التي قدمها كوفي عنان الى مجلس الأمن الدولي.

ونحن نأمل في ان تتم خلال هذه الأشهر تهيئة الظروف اللازمة من أجل اطلاق الحوار الشامل في سورية على أوسع نطاق سياسي بهدف تطبيع الوضع وحل القضايا التي نضجت في الاجندة الوطنية وفقا للخيار الحر لمواطني هذه البلاد أنفسهم.

Exit mobile version