بعد ثلاثة أيام من الأخذ والرد، نجح دي ميستورا في التوصل إلى صيغة تفاهمات، تنطلق على أثرها اليوم مفاوضات “جنيف-3″ غير المباشرة بين وفدي الحكومة السورية و”معارضة الرياض”.
لكن الأيام الثلاثة الماضية كشفت أن الخلافات بين الفريقين السوريين ما زالت كبيرة في ظل عدم رغبة كل طرف بتقديم تنازلات، وفي ظل تفسيراتهما المختلفة لبيان “جنيف-1″، واجتماعَي فيينا، والقرار الدولي 2254.
تصر المعارضة على تطبيق البند 12 من القرار الدولي 2254، والذي “يدعو الأطراف إلى أن تتيح فورا للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سوريا، وأن تسمح فورا بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، لا سيما في جميع المناطق المحاصرة، والإفراج عن أي محتجزين تعسفيا”.
كما تصر المعارضة على تطبيق البند 13 من القرار الدولي، والذي ينص على “وقف جميع الأطراف فورا أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها، بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي”.
وتعتمد المعارضة على تفسير معين للبندين، يقضي بالالتزام بهما قبل الشروع في المفاوضات كإجراءات بناء ثقة. أما الحكومة السورية، فتَعدُّ مطلب المعارضة هذا شرطا مسبقا، وترى أن تنفيذ البندين المذكورين سيتم حالما تتضح صورة المفاوضات، وما ينجم عنها من تفاهمات.
وهذا الخلاف بين الطرفين والأطراف الداعمة لها، سينعكس بطبيعة الحال على كل الملفات في ظل الصيغ المبهمة للتفاهمات الدولية: “جنيف-1″، “فيينا-1″، “فيينا-2” والقرار الدولي “2254”.
ولعل التسريبات، التي خرجت من جنيف بأن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا قدم عرضا للمعارضة قبلت بموجبه المشاركة في المفاوضات، وأن الحكومة السورية أعلنت عن موافقتها من حيث المبدأ على رفع الحصار عن مضايا، كل ذلك يعكس حالة الترهل والغموض، اللتين تخيمان على جنيف، وهو ما عبر عنه بصراحة المبعوث الأممي، الذي أعلن أن المباحثات ستكون “معقدة وصعبة!”.
لكن الغريب في الأمر أن العرض، الذي قدمه دي ميستورا للمعارضة، ظل طي الكتمان، ولم يفصح أحد عنه، ربما في إشارة إلى أنه عرض مستقبلي يندرج ضمن الوعود الكثيرة، التي أطلقها المجتمع الدولي. في حين يأتي طلب المجتمع الدولي من دمشق لرفع الحصار عن مدن محاصرة في إطار الرجاء وليس في صيغة الأمر، وهو ما بدا واضحا في كلمة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري المتلفزة.
وتريد المعارضة التركيز على الوضع الإنساني، والاتفاق على برنامج زمني للمفاوضات، قبل الانتقال إلى التفاوض حول الجانب السياسي. في حين تصر دمشق على أولوية إنهاء ملف الإرهاب قبل الانتقال إلى الملفات الأخرى، انطلاقا من أن الملفين الإنساني والسياسي مرتبطان بالإرهاب.
ومن الخلافات الأخرى – الخلاف حول المرحلة الانتقالية؛ فالمعارضة وداعموها يصرون على قيام هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات أثناءها، أما دمشق فتصر على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وتعد مسألة الحكم الانتقالي من أكثر المسائل تعقيدا لارتباطها مباشرة بصلاحيات الرئاسة، وبالتالي بموقع منصب الرئاسة في العملية كلها.
ومن الواضح أن المفاوضات أو المباحثات في جنيف هي عبارة عن خطوة تمهيدية تنتهي يوم الجمعة المقبل قبل يوم من اجتماع وزراء خارجية الدول المعنية بالملف السوري، على أن تُستكمل بعدها الجولة الثانية، التي يمكن أن يعاد البحث فيها، في تشكيلة وفد المعارضة، عبر إشراك شخصيات سياسية تطالب بها موسكو.
سيريان تلغراف | حسين محمد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب)