Site icon سيريان تلغراف

الفريج في موسكو .. الحسم العسكري قادم ؟؟

يرى مراقبون في توقيت زيارة وزير الدفاع السوري إلى موسكو والمواد المطروحة على طاولة البحث تأكيدا لا لبس فيه على أن خارطة العالم الجيوسياسية الجديدة إنما تبلورت وترتسم على أرض سوريا.

ففي مقدمة مواضيع البحث بين الوزيرين، السوري فهد جاسم الفريج، والروسي سيرغي شويغو، النتائج التي خلصت إليها العملية العسكرية المشتركة بين البلدين، وتنسيق جهود موسكو ودمشق بما يخدم القضاء على الإرهاب في سوريا واستعادة الجيش هناك سيادة بلاده على كامل أراضيها.

الملفت في الزيارة توقيتها، إذ أنها تأتي عشية اجتماعات السوريين في جنيف بين فرقاء اختلف الغرباء على تصنيفهم، بين ممثلين عن “النظام” وممثلين عن “الإرهابيين” وعن “معارضة الفنادق” وعما إلى ذلك من مسميات وتوصيفات.

ومما استرعى اهتمام المراقبين كذلك، أن وصول وزير الدفاع السوري إلى العاصمة الروسية جاء صبيحة زيارة قام بها الفريق أول ركن مشعل محمد الزبن مستشار العاهل الأردني للشؤون العسكرية، رئيس هيئة الأركان الأردنية المشتركة.

اللقاءات العسكرية عموما، جاءت في إطار التنسيق العسكري الروسي مع بلدان المنطقة، وتأكيدا على ضرورة العمل المشترك على مكافحة الإرهاب وكسر سطوة العصابات المسلحة التي لن يقتصر خطرها على سوريا والإقليم، بل صارت تعبر الحدود، وقد تقطع المحيطات إذا ما استمرت واشنطن في نهج مغازلة الإرهاب حسب المسؤولين الروس.

وبالعودة إلى توقيت زيارة الزبن، والفريج إلى موسكو واجتماعاتهما بكبار القادة العسكريين الروس، فإن موسكو تريد به التشديد على ضرورة العمل الإقليمي والدولي. فالتعاون مع بلدان الجوار السوري مستمر، لكنه يستثني حضور من آثروا إيواء الإرهابيين والتستر على نشاطاتهم، بل استخيروا إطلاق “شراكات تجارية مشبوهة معهم”.

كما تريد موسكو من استقبال وزير الدفاع السوري تجديد التأكيد وفي هذا التوقيت تحديدا، على متانة العلاقات الروسية السورية، التي ترقى حينما تدير قواتهما العسكرية عملا حربيا مشتركا إلى مصاف العلاقات بين الحلفاء.

وتريد التذكير، وبالتوازي مع استمرار العمل العسكري، بأن التسوية تسير قدما، ومحاولات إقناع السوريين بالجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض شارفت على الإثمار ولو بحصرم، فيما يبقى العمل العسكري في سوريا شرا لا بد منه.

وبالعودة إلى بدايات الأزمة السورية، ترى موسكو أن الأطراف الخارجية التي أقحمت نفسها في الشأن السوري ودعمت زمرا وهيئات، وأمعنت في التمويل والحشد الإعلامي، كانت على يقين تام بأن الرياح ستجري بما تشتهي سفنها، وأن مبتغاها سيتحقق في غضون أسابيع، بل في أيام معدودات. هذه الأطراف، وكما يؤكد سيرغي لافروف غاصت في نهجها، حتى انحدرت إلى مستوى “مغازلة الإرهاب”، وكل ذلك، من أجل إزاحة رئيس دولة مستقلة عن منصبه.

فهي تغافلت كما تقول موسكو، ومنذ بداية الأزمة السورية، عن عودة الروس إلى الدفاع عن مصالحهم بقوة، وتعامت عن رؤية ميثاق الأمم المتحدة الذي لوحت به موسكو من أعلى المنابر للتذكير بأنها كانت قد أسست له والحلفاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية بعد نصر ساحق على النازية كان لها الدور الرئيس في انتزاعه.

روسيا كما تؤكد، ووفقا لخطواتها على الساحة السورية، دخلت الميدان “مرغمة”. انخراطها المباشر، رغم أنه كان متأخرا حسب الكثير من السوريين، صعق خصومها الذين لم يتلكؤوا في إشهار ورقة جديدة للتخفيف من أثر الواقع المفاجئ الذي خلقته لهم.

فصاروا يراهنون على إنهاكها اقتصاديا ويجزمون، بأنه سيتداعى لها سائر جسدها بالسهر والحمى جراء “فعلتها” وستتراجع وتترك المعركة وتلهث وراء التفاوض للخروج من المأزق الذي وقعت فيه.

ومنه، واستنادا إلى ما خلص إليه الصراع الخفي بين موسكو والأحلاف التي أخفقت في قطع طريقها إلى سوريا، فإن النزال لم يسفر حتى الآن إلا عن تبخر حلم أنقرة وحلفائها في إقامة “منطقة عازلة” شمال سوريا تكون مرتعا للتركمان في إطار استعادة “المجد” العثماني.

كما أسفر هذا النزال، وحتى الآن كذلك، عن استنزاف طاقات التحالف الدولي وتصدعه إلى درجة أن “مؤسساته الإعلامية” صارت تنشر مشاهد للقصف الروسي على معاقل المسلحين، وتنسبه إلى الحلفاء الذين “أبلوا بلاء حسنا” في مكافحة الإرهاب، تمخض عنه اتساع رقعة “أراضي” “داعش” بين سوريا والعراق إلى أضعاف ما كانت عليه قبل الغارات.

خسائر التحالف، وكما تقول موسكو لن تقتصر على ذلك، فطالما حذرت الغرب من مغبة اللعب على الحبلين، ومحاولات الجلوس على كرسيين في آن واحد، إذ لا يمكن تدمير الدول وهدم معابدها بحجة الدفاع عن الحريات فيها، حريات جرت العادة على أن تتسق بالمطلق مع سياسات واشنطن وتخدم مصالحها السياسية.

أما بالنسبة إلى روسيا، فقد تمخض عن هذا النزال وحرب العقوبات حتى الآن، التركيز بشكل أكبر على تعزيز القدرات الدفاعية، فيما سجلت الصادرات الصناعية زيادة قدرها 10 في المئة حسب آخر تقرير رسمي.

والسؤال مما تقدم: هل يعوض الثمن الذي بذله حلفاء واشنطن لتحويل مسار التسوية والحل في سوريا ما أنفقوه حتى الآن، ويرد ما ضيعوه من نقاط سياسية وجيوسياسية؟ وهل أن جون كيري الذي نفخ في نار النزاع السوري أكثر من غيره كان جادا في نواياه حينما حذر المعارضة السورية عشية “جنيف 3” من مغبة الامتناع عن التفاوض تحت طائلة تخلي الحلفاء عنها؟

سيريان تلغراف | صفوان أبو حلا

Exit mobile version