بات الأوروبيون يخشون من” غزو اللاجئين” لمجتمعاتهم و يستميتون في البحث عن حلول لـ”بتر” تدفقهم، لكن على ما يبدو فإن بصمات اللاجئين ستبقى محفورة في ذاكرة أوروبا.
معاناة اللاجئين السوريين تستمر في دق “الأسافين” في ضمير العالم، لربما توقظ الضمير الإنساني من تغافله إزاء ما يحدث للسوريين الذين فروا من شبح الموت الذي ينهش جسد سوريا منذ 5 سنوات.
هنا، في قبو غارق بالضوء بأحد مباني ضواحي إسطنبول، تتكدس فيه جبال من الملابس، يتنقل “شكري” الطفل السوري (12 عاما) بين ماكينات الخياطة، ويحمل الملابس بيديه الصغيرتين ويضع الأردية البيضاء في الصناديق المخصصة لها، فيبدو لوهلة كأنه عامل له سنوات من الخبرة، لكن قسوة الحياة أجبرته على العمل مبكرا بدلا من الجلوس على مقاعد الدراسة كغيره من أترابه.
فبينما يذهب الأطفال في تركيا نهارا إلى المدرسة، يكون شكري منهمكا في العمل لمدة 60 ساعة في الأسبوع، ليكسب 600 ليرة تركية أي ما يعادل 200 دولار لمساعدة عائلته.
وسلط تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” الضوء على عمل الأطفال اللاجئين في تركيا الذين أجبرتهم الظروف على العمل لسد احتياجات أهلهم بدل الذهاب إلى المدارس.
ويوافق مشرف المصنع على أن شكري، صغير على العمل، خاصة مع كل تلك الساعات، لكنه يتنصّل من المسؤولية ويقول إنه ليس خطأه وإن شكري يحتاج للعمل.
وشكري كغيره من الآلاف من الأطفال الذين أجبروا على العمل في تركيا دون أوراق عمل أو ضمانات محددة نظرا لغياب قوانين تنظم عملهم أو تشريعات لحمايتهم.
ووفقا لإحصاءات الأمم المتحدة، يوجد نحو 2.3 مليون لاجئ مسجل يعيشون في تركيا، نحو 9% منهم في مخيمات اللاجئين، بينما يعيل الباقون أنفسهم بالبحث عن موارد رزقهم وعيشهم، وبسبب عدم وجود قوانين تنظم عملهم في تركيا، فإنهم يضطرون للعمل بشكل غير نظامي وخاصة في قطاع الملابس ثاني أكبر القطاعات الصناعية في تركيا.
و تعد صناعة النسيج أبرز القطاعات في تركيا، ورغم هذا، فهي غير منظمة إذ ما يقارب 60% من العمالة بهذه الصناعة غير مسجلين و يعملون بشكل غير رسمي، وعادة من دون عقود، أو أي مزايا معتادة للتوظيف.
وتعد تركيا ثالثة أكبر مصدر للملابس إلى أوروبا، بعد الصين وبنغلادش، وفي عام 2014 وحده، استوردت أوروبا ما قيمته 10.4 مليار يورو من الملابس المنسوجة في تركيا.
وتهيمن المصانع المتوسطة الحجم والورش الصغيرة على الصناعة، مع ظروف عمل صعبة في الأغلب وبلا رقابة، لدرجة أن المصانع الكبيرة تستعين بهذه الورش.
ويشكل اللاجئون السوريون قسما كبيرا من القوى العاملة فيها، خاصة في المدن الصناعية الثلاث إسطنبول، ومرسين وأضنة، لكنها تتميز بعمالة الأطفال، وقساوة ظروف العمل، إضافة إلى تدني الأجور.
العمالة السورية أضحت واقعا ملموسا في تركيا، تتطلب سن تشريعات جديدة حيث أعلنت الحكومة التركية الأسبوع الماضي تشريعات جديدة ستسمح للسوريين الذين يقضون فيها أكثر من 6 أشهر أن يتقدموا بطلب للحصول على تصريح عمل.
هذه الخطوة رحب بها العديد من المنظمات غير الحكومية، ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن دانييل مكميلان الباحثة الرئيسية في مركز موارد حقوق الإنسان قولها: ستتخذ إجراءات لتوفير الحماية القانونية للعمال السوريين اللاجئين.
سيريان تلغراف