لم يكن مفاجئا أن تصل العلاقات السعودية الإيرانية إلى هذا المستوى في ظل الخلاف الحاد بين البلدين حيال ملفات المنطقة (اليمن، سوريا، العراق) التي تحمل في جنباتها أبعادا طائفية واضحة.
لكن توقيت الأزمة السياسية بين البلدين أثار مخاوف المجتمع الدولي من انعكاسها على ملفات المنطقة، ولأجل ذلك بدأت وساطات عربية ودولية للحيلولة دون تصاعد الأزمة وامتداد تأثيرها إلى الملفات الإقليمية المتفجرة أصلا، وخصوصا الملف السوري الذي يشهد نهاية الشهر الحالي استحقاقا سياسيا كبيرا “جنيف 3” الذي قد يضع أسس الحل لهذه الأزمة المستمرة منذ خمس سنوات.
المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا الذي كان متواجدا في المنطقة من أجل متابعة الترتيبات الأخيرة لاجتماع جنيف 3 السوري، استغل تواجده لبحث الأزمة السعودية ـ الإيرانية وضمان عدم تأثيرها على الحل في سوريا.
وبحسب ما نقل دي ميستورا عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير “يوجد عزم واضح من الجانب السعودي على ألا يكون للتوترات الاقليمية الحالية أي تأثير سلبي على القوة الدافعة لعملية جنيف وعلى استمرار العملية السياسية”، وهذا التصريح لا يخالف تصريحات الجبير غداة لقائه المبعوث الأممي حين قال إن “بلاده ستواصل تقديم أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي للشعب السوري، حتى يتمكن من نيل حقوقه”، لأنه موقف قديم أعلنته الرياض أكثر من مرة وليس مرتبطا بالأزمة السياسية مع إيران.
لكن اللافت كان إعلان إيران على لسان نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان بأن “الخلاف الدبلوماسي مع السعودية سيؤثر على محادثات السلام السورية”.
التصريح الإيراني قوبل بتفسيرات عدة: أطراف المعارضة السورية وجدت فيه استغلالا إيرانيا للأزمة الدبلوماسية من أجل تنفيذ مخططها في إجهاض أي حل سياسي في سوريا، ورأت فيه السعودية محاولة لتحميلها مسؤولية ارتفاع حدة التوتر واحتمال فشل الحل في سوريا.
لكن في الحقيقة إذا ما تم وضع تصريح عبد اللهيان في سياق تطورات اليومين الماضيين، فإن تصريح الخارجية الإيرانية ينضوي في إطار البحث عن حلول للأزمة الدبلوماسية مع السعودية لا في إطار التصعيد، والقول الإيراني إن هذه الأزمة ستؤثر سلبا على الملف السوري، هي رسالة موجهة للمجتمع الدولي لتخويفه من احتمال فشل المسار السياسي في سوريا، من أجل الضغط على السعودية واحتواء الأزمة.
من الصعب أن تؤثر الأزمة السعودية ـ الإيرانية على الملف السوري لسببين رئيسيين:
1ـ أن الوضع العسكري الميداني في سوريا يخضع بالأساس لصراع إقليمي ـ دولي حاد، يكاد يصل إلى نهايته القصوى، ولن تؤثر أية أزمة إقليمية أو دولية على مسار الصراع العسكري.
2ـ أن المسار السياسي المقرر إطلاقه قريبا، يخضع لاعتبارات دولية تتجاوز الدولتين الإقليميتين (السعودية، إيران)، فهو مسار مرتبط بروسيا والولايات المتحدة مباشرة، طبعا دون إغفال التأثير الإقليمي الذي لن يصل بالمقابل إلى حد إحداث خلخلة في هذا المسار.
مر الموقف الإيراني منذ إعدام النمر بمرحلتين: الأولى تصعيد إيراني واضح من أعلى مستويات الدولة، تزامن مع تصريحات من حلفاء إيران في لبنان وسوريا، وحتى من شخصيات سياسية في العراق، أما المرحلة الثانية فجاءت بعيد قطع الرياض لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في هذه المرحلة اختلفت النبرة الإيرانية وبدت الموضوعية السياسية تحكم السلوك الإيراني.
ليست إيران معنية كثيرا بالعلاقة المباشرة مع السعودية، لكنها تدرك مدى التأثير السعودي في المنطقة التي بدت ملامحه واضحة (البحرين والسودان وجيبوتي يسحبون سفراءهم من طهران، الأردن والكويت وقطر يستدعون السفراء الإيرانيين)، ويمكن أن تتوسع الأمور إلى أكثر من ذلك.
الرد الإيراني على هذه التطورات كان في غاية الذكاء، ويعكس مهارة اللاعب الإيراني، حيث قامت طهران فورا بسحب الذرائع التي سببت الأزمة (اقتحام السفارة)، ومحاولة إعادة الأمور إلى نصابها قبيل الانفجار السياسي الأخير، فكتبت رسالة اعتذارية عن اقتحام السفارة والقنصلية إلى الأمم المتحدة، وتعهّدت بحماية البعثات الدبلوماسية، كما شجب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عملية الاقتحام، وطالب بمحاكمة سريعة للمشتبه بهم في اقتحام السفارة السعودية.
سيريان تلغراف | حسين محمد