Site icon سيريان تلغراف

بعد عزل تشابلن يستطيع الجميع تنفس الصعداء

إن الحرية الدينية، التي نزلت على مختلف أتباع الأديان في روسيا، كما المن والسلوى على أتباع موسى في صحراء سيناء، وضعتهم في مأزق لا يعرفون معه حتى الآن ما يفعلونه بهذه النعمة الطارئة.

وإذا كان بنو إسرائيل لم يصبروا على الحرية وطعام واحد، وأرادوا استبدال، “الذي هو أدنى بالذي هو خير”، وربما العودة إلى الذل “وقدور اللحم المصرية” (حسب تعبير كارل ماركس)، فإن الكثيرين من اليهود والمسيحيين والمسلمين الروس، الذين أُجبروا سبعين عاما ونيًّف على التسبيح بحمد الوثنية الشيوعية، عادوا إلى واحة الإيمان في سنين معدودة، في حين احتاج بنو إسرائيل إلى أربعين سنة من التيه لنفض غبار العبودية الفرعونية عن أفئدتهم.

ومن هنا ظاهرة التخبط الديني بين الحين والآخر بين أبناء هذه الديانة أو تلك في روسيا.

ويظهر ذلك واضحا في أوساط ممثلي أكبر ديانة في روسيا – الأرثوذكسية.

وقد صدق حدس الذين يتابعون شؤون وشجون بطريركية موسكو وسائر روسيا، والذين كانوا يتوقعون منذ زمن بعيد عزل القُمُّص فسيفولود تشابلن عن رئاسة القسم السينودوسي للتفاعل بين الكنيسة والمجتمع، حيث جرى ذلك في الـ24 من الشهر الجاري.

وسبب ذلك أن القُمُص تشابلن لم يدع يوما يمر من دون أن يبدي رأيه الخاص في قضية ما سواء كانت مرتبطة بالكنيسة الروسية أم لا، وأصبح له “في كل عرس قرص!”، وصار نجما إعلاميا في روسيا والعالم، الذي كان ينتظر ارتجالاته، على أحر من الجمر.

ومما قاله مؤخرا في المجلس الاجتماعي للاتحاد الروسي (22 12 2015) إنه: “يجب علينا هنا في روسيا تطبيق أفضل المثل من روسيا المقدسة والخلافة والاتحاد السوفياتي!”

–       كما أعرب عن معارضته للخلط بين كلمتي “الدين” و”الطائفة”، وصرح بأن الطوائف لا يمكن أن تكون إلا مسيحية.

–       ورفض الصلاة مع المسيحيين غير الأرثوذكسيين.

–       وأعرب عن معارضته لتكتُّم مستخدمي الإنترنت على أسمائهم.

–       ونظر بصورة إيجابية إلى ستالين، وبصورة سيئة إلى مادونا.

–       وأيد منع رواية فلاديمير نابوكوف “لوليتا”.

وأعرب القُمُّص المسيحي عن أسفه لأن الأرثوذكسيين لم يستطيعوا القضاء على البلاشفة والذود عن مقدساتهم في العشرينيات من القرن الماضي (“إنتر فاكس” 21 03 2012).

وتشابلن يكتب قصصا قصيرة باسم يهودي مستعار هو – هارون شيماير، والسبب محبته لليهود (صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية 18 02 2015).

وهكذا، مجموعة كاملة من التناقضات تميزت بها السنوات الست، التي ترأس تشابلن فيها هذه الهيئة السينودوسية، التي تتجاوز في أهميتها أي مكتب صحافي.

بيد أن القُمُّص المعزول أكد أن خلافه مع البطريرك كيريل بدأ قبل عام بسبب تصريحاته المساندة للأعمال العسكرية للناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا. وأضاف: ” كان من الضروري لنا عدم الانتظار على الشاطئ، بل التوصل بالفعل إلى أن تسمع سلطة هذا البلد صوت أولئك الناس، الذين يعدُّون أنفسهم روسًا..”

وأدلى تشابلن مرات ومرات بتصريحات مؤيدة للمقاومة الشعبية في دونباس منذ بدء المواجهة المسلحة هناك. في حين أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، بشخص البطريرك كيريل، اتخذت على العكس موقفا داعيا إلى السلام.

لكن الشعرة، التي قصمت ظهر البعير بين رجلي الكنيسة الروسية، كانت تصريح تشابلن بشأن “المعركة المقدسة” ضد الإرهاب في سوريا – وهو التعبير المجازي، الذي نسبته بعض وسائل الإعلام العربية إلى البطريرك، وفهمه العرب المسيحيون والمسلمون كدعوة إلى حرب صليبية جديدة.

كتب ستانيسلاف مينين في صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية (25 12 2015)، “كان يُعتقد أن تشابلن يتكلم باسم الكنيسة وباسم البطريرك كيريل. ولا بأس في ذلك ما دام الحديث يدور عن تدريس أسس الأرثوذكسية في المدارس. ولا بأس إذا كان عن مثليي الجنس. ولكن ماذا عندما يكون عن الحرب؟ وماذا عندما يكون عن سوريا؟”

على أي حال وبعد عزل تشابلن، يستطيع الجميع تنفس الصعداء.

هللويا! لا حديث روسيًا بعد اليوم عن المعارك المقدسة ضد الإرهاب في سوريا!

سيريان تلغراف | حبيب فوعاني

Exit mobile version