تتوالى التعليقات الشامتة بالروس، في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام العربي، حول اغتيال سمير القنطار.
بالمقابل يتناسى الكثيرون إسرائيل، التي وجهت صواريخ طائراتها إلى منزله وقتلته، ويتذكرون فقط منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية “إس-400” المرابطة في مطار حميميم، والتي كان يجب أن تسقط هذه الطائرات برأيهم.
يجب القول إن علاقات العرب بروسيا وقبلها بالاتحاد السوفياتي تتصف بالغناج والدلال، بعكس علاقاتهم مع الولايات المتحدة.
وقد تلقى الاتحاد السوفياتي طعنة في الظهر عندما أمر الرئيس المصري أنور السادات في عام 1972 بطرد الخبراء السوفيات وكان عددهم 15 ألفا.
ويقول الدكتور مراد غالب، السفير المصري السابق في موسكو، في حديث إلى صحيفة “الحياة” (20 04 1992): “هذه كانت (بالنسبة إلى السوفيات) كارثة.” وينقل عن الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف قوله: “ماذا فعلنا بكم حتى تتسببوا لنا في كل هذا؟ نحن حاربنا معكم، وامتزجت دماء جنودنا بدماء جنودكم.. نحن بنينا لكم السد العالي..” (يورد جعفر البكلي (“الأخبار” 30 10 2015) أمثلة مزرية على تعاون العرب مع السوفيات في مقال “حكايات العرب مع السوفيات: جزاء «الرفيق» الذي وقف معنا”).
ومن الجدير بالذكر أن موسكو كانت تبيع الأسلحة للدول العربية بفوائد زهيدة ومقابل البضائع المحلية و”البصل”، كما سخر منا أحد أساتذة جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو بعد إعلان “البيريسترويكا” و”العلنية”. وكان الاتحاد السوفياتي يستقبل آلاف الطلاب العرب للدراسة مجانا!
ومن الطبيعي أن تطبق على الاتحاد السوفياتي في نهاية وجوده أزمة اقتصادية خانقة، ولم تسانده في احتوائها أي دولة عربية سوى الكويت، التي منحته قرضا بمليار دولار، امتنانا لتأييده لها في الأزمة مع العراق. وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، عادت الأمور إلى نصابها الرأسمالي، وأصبح للدراسة في روسيا ثمنها وللسلاح ثمنه بفضل اقتصاد السوق “المقدس”.
وبعد صد القوات الروسية هجوما أحمق، شنته جورجيا في عام 2008 على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، واعتراف روسيا وفنزويلا ونيكاراغوا وجمهورية ناورو وتوفالو باستقلالهما، لم تعترف بهاتين الدولتين القوقازيتين دولة عربية واحدة.
ومن الواضح أن التعاون مع روسيا بنظر العرب هو طريق سالكة باتجاه واحد فقط. وهذا ما تؤكده التعليقات المحمومة أو المغرضة حول استشهاد عميد الأسرى اللبنانيين. كتب فيصل القاسم (21 12 2015) في حسابه على موقع “فيس بوك”: “لا يمكن أن تكون إسرائيل قد قتلت سمير القنطار من دون التنسيق مع روسيا، فالروس والإسرائيليون ينسقون طلعاتهم الجوية في سوريا لحظة بلحظة”. بيد أن اللواء والباحث في الشؤون الإستراتيجية مأمون أبو نوار (23 12 2015 “الجزيرة”) “رأى أن الطيران الإسرائيلي لم يخترق الأجواء السورية، إنما نفذ عمليات الرمي من داخل حدوده من خلال قنابل “سنايبر” المصنعة في عام 2003.” كما شكك الخبير الاستراتيجي العميد الركن الدكتور هشام جابر٬ في أن يكون اغتيال القنطار نتيجة تنسيق إسرائيلي – روسي.
وقال في حديث إلى صحيفة “الشرق الأوسط” (22 12 2015): “لا يمكن لروسيا أن تتواطأ ضّد حليف لها٬ أي “حزب الله”. مضيفا أن “الصواريخ التي استُخدِمت في عملية جرمانة أُطلقت من خارج الأراضي السورية٬ وعلى الأرجح من الأراضي اللبنانية المحتلة.” وبالفعل، فإن المنطق والتحليل السياسي السليم يشير إلى ذلك.
إذ، وفقا للمصادر الروسية، لا يوجد بين موسكو وتل أبيب سوى تنسيق عسكري ميداني لتجنب وقوع تصادم عن طريق الخطأ بين البلدين في سوريا، وليس هناك أي تعاون بينهما.
ويؤكد هذا الأمر أن روسيا لم تنسق مع إيران وتركيا عند إطلاقها من بحر قزوين الصواريخ المجنحة، التي عبرت أجواء هذين البلدين إلى سوريا، لانتفاء الحاجة الميدانية إلى ذلك.
وعلى أي حال، لا تريد موسكو ولا تستطيع أن تكون شرطي المنطقة، وهي مضطرة إلى موازنة علاقاتها الدقيقة بين إسرائيل والدول العربية، وتأخذ بالحسبان وجود عشرين مليون مواطن روسي لديها يعتنقون الإسلام ومليون يهودي روسي في الدولة العبرية ينتمي جلهم إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة. وهذا ما لا يريد أن يفهمه مناضلو الـ”فيس بوك” و”محللو بتاع كله”!
سيريان تلغراف | حبيب فوعاني