Site icon سيريان تلغراف

أي إسلام ؟ وأي دولة ؟

خمسة أعوام مرت على الثورة، التي أوقد نارها محمد بو العزيزي، ليستعر لهيبها في هشيم الأنظمة العربية الديكتاتورية الفاشلة، أملا في أن يحيي “الربيع العربي” خريفها الكئيب.

بيد أن ألوية الثورات الخفاقة سرعان ما اختطفها من أيدي شباب شبكات التواصل الاجتماعي العلمانيين الحالمين إسلامويون محنكون، ساروا في ركاب الثورات، وحولوا مساراتها.

وكان محاورونا من الخبراء الروس محقين في توقعاتهم بأن يتقلد الإسلامويون زمام الأمور في النهاية، وكنا على خطأ في اتهامهم بالاستهانة بقدرات شباب العرب والثورات العربية.. فقد اكتوى الدب الروسي بنيران “ثورات” البرتقال والورد والخزامى، التي اختارت ألوانها وفصلتها منظمات أميركية “غير حكومية”.

وهكذا، انطلقت عملية “أسلمة” العالم العربي على قدم وساق بمباركة الغرب، الذي اعتلى موجة هذه الثورات. وبالنتيجة أصبحت رايات “الدولة الإسلامية” السود ترفرف في دول عربية مختلفة، وكاد “المشروع الإسلاموي” الغربي أن ينيخ بكلكله حتى على بلد جمال عبد الناصر، ما يؤكد الفشل النهائي لمشروع بناء الدول القومية العلمانية في العالم العربي، ولا سيما بعد هزيمة مصر، الدولة القومية العربية الأولى، أمام إسرائيل عام 1967، حين بدأ الحديث عن أن العرب تكبدوا هزيمتهم لبعدهم عن تعاليم الإسلام، وعن أن اليهود انتصروا لأنهم لم يضعوا الله خلف ظهورهم.

لكن الأهم من ذلك هو أن مصر، رائدة الدول العربية، فشلت في التوصل إلى نتائج ثابتة في التنمية الاقتصادية رغم نجاحاتها الجلية وبدعم سوفياتي في تأسيس صناعات جديدة وبناء السد العالي، وكان لمكايد الغرب القصيرة النظر دور واضح في فشل هذا النظام القومي التقدمي، كما كان الأمر في إندونيسيا مع الرئيس أحمد سوكارنو، وفي إيران مع رئيس الوزراء محمد مصدق.

لكننا وعلى أي حال، لم نسمع من الإسلامويين الجدد التزامهم مثلا بالنهج التنويري والمناهض للظلم الاجتماعي للإمام محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد رشيد رضا. وبدلا من ذلك، نراهم مهتمين قبل كل شيء بتصفية حسابات القرون الغابرة، حيث يستعيدون “الفتنة الكبرى”، التي اندلعت إثر وفاة النبي الكريم، ويطلقون دعوات مذهبية محمومة، تؤججها واشنطن – حسب محمد حسنين هيكل – لإشعال نزاع شيعي-سني طائفي بعد فشلها في إثارة صراع فارسي-عربي قومي. ما ينذر بالقضاء على آخر ما تبقى من المؤسسات المدنية الهشة القائمة، و”طلبنة” المجتمعات العربية.

وتسعى إسرائيل من جانبها – حسب المفكر الإسرائيلي التقدمي إسرائيل شاميروف – لـ”صوملة” سوريا الثكلى.. وفي حين يتابع تنظيم “داعش” “أسلمة” المجتمعات العربية بالحديد والنار أينما حل، تدور حروب الجميع ضد الجميع، وقلوب الأقليات المسيحية والمسلمة واجفة، وأبصارها خاشعة، بانتظار الخاتمة.

بيد أن الدول الناجحة والمتطورة والمستقلة هي قائمة في أميركا اللاتينية وفي آسيا وفي أوراسيا، وأبرز ممثلاتها هي مجموعة دول “بريكس” الواعدة. وقد استطاعت الدول الصاعدة – البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا – النهوض من كبوتها الاقتصادية، فلِمَ لا تصبح الدول العربية الصاعدة قاطرة النمو في المنطقة؟ لمَ لا تبادر الدول العربية الصاعدة إلى إنشاء مجموعتها الخاصة بها بدلا من الإعلان عن تحالف “إسلامي” مشبوه يثير الفتن، ولا يغني ولا يسمن من جوع؟ ولمَ لا تسعى هذه الدول على الأقل للانضمام إلى “بريكس”؟ فقد كان جمال عبد الناصر أحد المبادرين لتأسيس حركة عدم الانحياز في باندونغ عام 1955.

هذا بالطبع يبقى حلما من أحلام اليقظة. فالأمر يحتاج إلى ظهور جمال عبد الناصر “إسلامي” جديد، يوحد ولا يفرق.. يبني ولا يهدم. في حين أننا لا نجد إلا أصحاب اللحى الكثة وصاحبات النُقُب السوداء، الذين يروجون هنا وهناك للحروب الطائفية الشعواء، التي بلغت تكلفتها حتى الآن نحو 833.7 مليار دولار، وذهب ضحيتها 1.34 مليون قتيل وجريح على الأقل.

فهل لهذا أحرق نفسه المثقف البائس محمد بو العزيزي قبل خمس سنوات؟

سيريان تلغراف | حبيب فوعاني

Exit mobile version