وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نقطة نهاية في الحياة السياسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ اتضح خلال المؤتمر الصحفي لبوتين أن إسقاط القاذفة الروسية أفقد أنقرة مشروعها السياسي
لقد ذكر بوتين أنه قبل هذا الحادث كانت روسيا تعتبر تركيا شريكة مميزة لها، بل وأشار إلى أن موسكو وافقت على دعم أنقرة في مسائل “بالغة الحساسية” تقع “خارج نطاق القانون الدولي”، لكن الأتراك ردوا على ذلك بإسقاط الطائرة الروسية، الذي كان بمثابة توجيه ضربة قاضية إلى مشروعهم السياسي.
هناك من يلقب رئيس الوزراء التركي الحالي أحمد داوود أوغلو بـ”مصمم” سياسة أنقرة الخارجية. وإذا كان الرئيس أردوغان منظرا لفكرة “العالم التركي” الممزوجة بأفكار الإسلام السياسي، فيمكن اعتبار داوود أوغلو وبحق بأنه صاحب مشروع إعادة بناء الدولة العثمانية في ظروف جديدة، وهو مشروع يهدف إلى بناء إمبراطورية تركية عظيمة بزعامة أنقرة ومركزها تركيا القوية، لتصبح قوة عالمية عظمى ذات تأثير على مصائر العالم.
لقد كان منطقيا أن تمس هذه السياسة بمصالح الدول المجاورة لتركيا والتي كان معظم أراضيها الراهنة جزءا من الدولة العثمانية حتى عام 1918، والتي تعتبر أنقرة بعض سكانها أتراكا، كالتركمان الذين كان وجودهم في شمال سوريا أحد أسباب الهجوم ضد الطائرة الروسية. وقد أبلغت تركيا جميع الأطراف المعنية أنها تعتبر أراضيهم منطقة تقع تحت الحماية التركية وأنها تخطط لمنحهم “غطاء جويا”.
لقد أعلن داوود أوغلو أنه من حق تركيا أن تتخذ “جميع الإجراءات اللازمة لمنع انتهاك حدودها. ومع أن لا أحد ينكر حقها هذا إلا أنه يبدو أن الحديث يدور في حالة إسقاط القاذفة “سو-24” الروسية عن سيناريو تم وضعه مسبقا.
لقد ردت روسيا على هذا الحادث بتعزيز وجودها العسكري في سوريا وأجوائها، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “هل يا ترى كانوا يعتقدون أننا سنهرب من هناك؟ بالطبع لا فإن روسيا ليست بدولة ضعيفة. لقد عززنا وجودنا العسكري وزدنا عدد طائراتنا الحربية… وإذا كان الأتراك يحلقون هناك وينتهكون المجال الجوي السوري فدعهم يجربون الآن التحليق هناك!”.
إن هذه الكلمات تعني شيئا أكبر من فرض حظر جوي على الطيران الحربي التركي، فقد ألغى الهجوم التركي المجنون على الطائرة الروسية جميع الاتفاقات السابقة بين موسكو وأنقرة، وقد سحبت موسكو موافقتها الصامتة على تنفيذ المشروع الجيوسياسي التركي، الأمر الذي يضع حاجزا أمام توسع تركيا السياسي في الشرق الأوسط ويلغي كل نجاحاتها السابقة.
بالتالي فعلى أنقرة أن تودع مشروعها “العثماني الجديد” الذي أعدمه الأتراك بأيديهم عندما أطلقوا الصاروخ على الطائرة الروسية.
كما يعني ذلك الانتحار السياسي لكل من أردوغان وداوود أوغلو، لكن الدور الأول لأردوغان الذي لم يجرؤ لا على تقديم اعتذارات لموسكو ولا على إقالة رئيس وزرائه الذي كان يمكن لأردوغان أن يضمن بإقالته مستقبلا سياسيا لنفسه.
سيريان تلغراف | ألكسندر تسيغانوف