لم يكن مستغرباً أن تفبرك قناتا «الجزيرة» و«العربية» ومعارضة الخارج أنباء كاذبة لا دليل لها عن اغتيال عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة في الدولة السورية، وأن تخصّص لنشرها وترويجها مساحات واسعة من نشراتها وبرامجها الإخبارية، فالقناتان جُندتا لاستخدام كافة وسائل التضليل والتضخيم الإعلامي، في كل ما يخصّ الأحداث الجارية في سورية.
ومن الطبيعي أن يواكب الاغتيال الافتراضي ذا الطابع الإعلامي البحت والذي فبرك لاستهداف صمود الشعب السوري مجموعة من الأخبار الكاذبة التي بثت بتراتب زمني منسّق يتخذ من الحرب النفسية والإعلامية عنواناً لنشر اليأس وروح الهزيمة لدى المواطنين السوريين الذين خبروا من تجاربهم السابقة أنّ الهدف الأساسي لذلك يسعى لنشر الفوضى وبث الذعر بينهم.
ولعل السوريين يستذكرون جيداً كيف لفقت تلك القناتان بالتنسيق مع المعارضة الخارجية أنباء مماثلة عمّا أسمته وقتها «احتلال» ساحات العاصمة دمشق وفقدان السيطرة عليها من قبل قوات الأمن والجيش لصالح من أطلقت عليهم لقب الثوار المسلحين، على غرار ما اعتادتا على تلفيقه في تغطيتهما لما حدث في ليبيا وعدة عواصم عربية أخرى.
لكن ما أقدمت عليه القناتان اللتان تمادتا في تغطيتهما المضللة والمنحازة لطرف المعارضة ومجموعاتها المسلحة عبر تصويرهم الدائم على أنهم الضحية، وأنّ كل ما يقومون به يندرج في سياق الدفاع المزعوم عن النفس، أوقعهما في شرك تضليلهم غير المحسوب النتائج هذه المرة، كما كشف بكل وضوح حقيقة ونوايا معارضة الخارج وميليشيا ما يسمّى «الجيش الحر» التي تبنت العملية المفترضة قبل أن تنهال تصريحات و»تبريكات» مجلس اسطنبول وأعضاء من يطلقون على أنفسهم تنسيقيات الداخل المحلية.
فعملية الاغتيال المفترضة وبغضّ النظر عن كونها من اختلاق كتائب وميليشيات الإرهاب أو صناعة من يرعونه إعلامياً في «الجزيرة» و»العربية» اللتين وصلتا بها إلى منتهى الإفلاس المهني فقد أكدت على توجّه المعارضة الخارجية وميليشياتها المسلحة واستمرارهما في التخطيط والعمل على تصعيد العنف وجرّ البلاد إلى حرب أهلية بعيداً عن خطة المبعوث الدولي كوفي أنان التي بات قتلها وإنهاؤها هدفاً معلناً للمعارضة وإعلامها بعد فبركة عملية الاغتيال الافتراضي للمسؤولين السوريين .
إن إقدام أطراف المعارضة الخارجية على التبني الصريح لهذه العملية الساعية إلى ضرب أركان الدولة السورية وبغض النظر إن كانت وهمية أو محاولة فاشلة تمّ التصدي لها، إلا أنها أثبتت أنها تعمل بكلّ طاقتها على إفشال خطة أنان وتصفية أيّ فرصة لحلّ سياسي ينهي الأزمة بطريقة سلمية، وهو ما يستدعي التوقف ملياً من قبل المجتمع الدولي ومبعوثه ومراقبيه لتحديد من المسؤول عن العمليات الانتحارية والاغتيالات الفردية بحق ضباط الجيش والأمن والتي ألصقت على الدوام بالحكومة السورية تحت مسمّيات ومزاعم عديدة.
ولا بدّ هنا من أن نطرح سؤلاً افتراضياً موجّهاً إلى مجلس الأمن وأعضائه المجمعين ظاهرياً على إنجاح خطة مبعوثهم إلى سورية، وهو ماذا لو كانت الأنباء الملفقة صحيحة وتمّ فعلاً حصول مثل تلك العملية؟ وما هي الفرص المتوقعة بعدها لاستكمال خطة أنان ونجاحها في ظلّ انكشاف حقيقة أن المعارضة لم تلتزم بالخطة وقبلتها فقط لتكون ستاراً تمارس من ورائه كافة عمليات القتل والإرهاب، معتمدة على دعم الإعلام وأعداء الشعب السوري الساعيين لوصولها إلى السلطة وتحقيق أجنداتهم في المنطقة.
وبالعودة إلى فبركة «الجزيرة» و»العربية» واستمرارهما في بث الشائعات والمعلومات الكاذبة الذي تواصل بذات الطريقة لوقت ليس بقصير، على الرغم من النفي الرسمي، فقد ساهم في إسقاط آخر أوراق وشعارات المهنية والمصداقية التي باتت مدعاة لسخرية الجميع، خاصة وأن الكلّ تابع إصرارهما على بث الخبر وتبنيه رغم ظهور الشخصيات التي «اغتيلت» على شاشات التلفزيون السوري والفضائيات الخاصة وهي تتحدث وتؤكد أنّ ما جرى يعكس حالة الإفلاس والفشل اللتين أصابتا المجموعات الإرهابية ومن يدعمها بالمال والسلاح والإعلام.
وكنتيجة لذلك فإنّ ما جرى من فبركة متعمّدة لعملية الاغتيال الافتراضي للمسؤولين السوريين ومجموعة الأخبار الكاذبة التي بثت خلالها لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، بل يمكننا القول أنه وعند كلّ ساعة لا بدّ للسوريين أن ينتظرواً شيئاً مشابهاً ستقدمه وتفبركه القناتان لتصعيد الحرب الإعلامية المضللة على الشعب السوري الصامد الذي لم ولن تعرف روحه الهزيمة واليأس وستبقى مثالاً يحتذى للجميع.