شهد ريف حلب الشمالي والغربي خلال اليومين الماضيين تطورات ميدانية مهمة، تؤشر إلى بداية تغير في الستاتيكو الميداني السائد منذ فترة بين الأكراد وفصائل مسلحة مدعومة مباشرة من تركيا.
وتشهد منطقتا كشتعار وتنب وأماكن أخرى في منطقة اعزاز بريف حلب الشمالي، اشتباكات هي الأولى بين “قوات سوريا الديمقراطية” (وحدات حماية الشعب الكردي، وحدات حماية المرأة، جيش الثوار، فصائل غرفة عمليات بركان الفرات، قوات الصناديد، تجمع ألوية الجزيرة، المجلس العسكري السرياني) من جهة، و “الجبهة الشامية” من جهة أخرى.
وحاول “جيش الثوار” أحد مكونات “قوات سوريا الديمقراطية” قطع خطوط إمداد المسلحين التي تصل الحدود التركية بمناطق سيطرتها بحلب وريفها الغربي، وهو ما عبر عنه الناطق باسم “قوات سورية الديمقراطيّة” طلال سلو بأنهم “لن يسمحوا لأي جهة بالتقدم في المنطقة التي تربط عين العرب ـ كوباني بمدينة عفرين”، وكان سلو قد صرح قبل أسبوع بأن الهدف العسكري لـ “قوات سوريا الديمقراطية” هو ربط مدينتي عين العرب ـ كوباني وعفرين في ريف حلب الشمالي.
وعلى الرغم من نجاح “جيش الثوار” في قطع طريق حلب ـ أعزاز ، إلا أنه بدأ بالتراجع بعد استقدام “الجبهة الشامية” تعزيزات إلى المنطقة، قبل أن تستعيد المناطق التي استولى عليها “جيش الثوار”، وتحكم سيطرتها عليها (قرية الشوارغة، مطحنة الفيصل، بلدة كشتعار، المالكية).
ترافق ذلك بمحاولات لـ “وحدات الحماية الكردية” و “جيش الثوار” لضرب خطوط الإمداد بين ريف حلب الشمالي وتركيا، خصوصا عند منطقة باب السلامة شمال شرق اعزاز، في خطوة تستهدف إضعاف حركة “أحرار الشام” التي تسيطر على المعبر الحدودي، ومنعها من الاستفادة من هذا المعبر من الناحية الاقتصادية، ومن ناحية الإمداد البشري.
أيضا، ترافقت هذه التطورات في ريف حلب الشمالي، مع قيام قوات “حماية الشعب” الكردية وقوات “حماية المرأة”، بمهاجمة منطقتي الشقيف والكاستلو الاستراتيجيتين بالنسبة للمسلحين، اللتين تعتبران خط إمداد رئيسي لهم إلى حلب.
لكن “وحدات الحماية الكردية” وإن أكدت هجومها على منطقتي الشقيف والكاستلو، إلا أنها نفت مشاركتها في معارك ريف أعزاز، كون المعارك تجري خارج نطاق منطقة عفرين الخاضعة لسيطرتها. ويشير هذا التصريح إلى أن الحماية الكردية غير مستعجلة إلى فتح معركة مباشرة مع المسحلين في الشمال، تاركة العمليات العسكرية في هذه المرحلة لـ “جيش الثوار” أحد أركان “قوات سوريا الديمقراطية” التي يهيمن الأكراد عليها.
تعكس هذه المعارك الصراع المحتدم بين القوى المدعومة من تركيا التي تعمل على إقامة منطقة آمنة (من جرابلس وحتى اعزاز)، وبين الجيش السوري والأكراد الذين يحاولون ليس فقط مواجهة إقامة هذه المنطقة، بل العمل على إغلاق الحدود السورية ـ التركية. وتصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واضح، حين قال “إغلاق الحدود بين سوريا وتركيا، سيسهم في حل مشكلة الإرهاب إلى حد كبير”.
ولذلك، لا تنفصل العمليات العسكرية في ريفي حلب الشمالي والغربي عن تلك المعارك الدائرة في ريف اللاذقية الشمالي، وخصوصا عند جبلي الأكراد والتركمان المحاذيين لتركيا.
واستطاع الجيش السوري بدعم جوي روسي السيطرة على جبل النوبة وتلتي الرحملية والخضر المشرفتين على ناحية ربيعة، وقبلهم جبل الزاهية البالغ الاستراتيجية كونه أعلى التلال ويطل على القرى التركمانية، ولذلك شهد البرج عمليات كر وفر، حيث تبادل الطرفان السيطرة عليه عدة مرات خلال الأسبوع الماضي، قبل أن يسيطر عليه المسلحون .
ومن شأن سيطرة المسلحين على جبل الزاهية، أن تقطع الطريق على محاولات الجيش السوري من السيطرة على حزام يمتد من نبع المر جنوب مدينة كسب، وصولا إلى جبل عطيرة، وهو حزام يشكل عصب المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا إلى إقامتها.
لكن محاولات الجيش السوري، مدعوما من روسيا، للسيطرة على جبلي الأكراد والتركمان، قد تؤدي إلى فتح حرب كبيرة في الشمال، فتركيا قد لا تسمح بسقوط جبل التركمان بأيدي الجيش السوري، وفق ما أعلن أكثر من مسؤول.
وتبدو الأيام والأسابيع المقبلة على موعد مع ارتفاع حدة القتال في ريفي حلب الشمالي والغربي وريف اللاذقية الشمالي، في معركة لا يمكن تسميتها إلا بمعركة كسر العظام، بين الجيش السوري وداعميه، والمسلحين وداعميهم .
سيريان تلغراف | حسين محمد