جاء تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” في العاشر من الشهر الماضي ضمن مخطط أمريكي، لتكوين قوة عربية ـ كردية مشتركة تكون رأس حربة في عملية تحرير محافظة الرقة من تنظيم الدولة.
بدأت وسائل الإعلام الأمريكية بشكل خاص الحديث عن معركة الرقة المقبلة ضمن خطة أمريكية لعزل المحافظة عن خطوط الإمداد في الشمال مع تركيا وفي الشرق مع العراق، ولكن المخطط سرعان ما تغير بشكل مفاجئ وتحولت “قوات سوريا الديمقراطية” إلى أقصى الشمال الشرقي من سوريا في محافظة الحسكة لمحاربة “داعش” هناك.
ثمة ثلاثة أسباب لهذا التحول:
1ـ رفض قوات “حماية الشعب الكردي” خوض معارك في بيئة ديمغرافية غير حاضنة لها، ولذلك حافظت القوات الكردية على تواجدها في البلدات الكردية شمالي الرقة (تل أبيض) دون التوجه جنوبا حيث البلدات السنية.
2ـ رغبة واشنطن في جعل المعركة ضد التنظيم في العراق وسوريا موحدة ضمن حرب واحدة، ولذلك وجدت الإدارة الأمريكية أنه من الأفضل التركيز على الحسكة لملاصقتها الحدود العراقية، وإبعاد التنظيم من منطقة تمتد من الموصل شمالي العراق ومن ثم سنجار وحتى الحسكة في سوريا، وإنهاء سيطرته على طرق الإمداد بين البلدين.
3ـ تلاقت الرؤية الأمريكية مع الرؤية الكردية، إذ وجدت وحدات الحماية الكردية في الحسكة مغنما أكبر من الرقة، حيث حقول النفط التي توفر موردا مربحا، ناهيك عن أن السيطرة على الحسكة تؤمن معاقل الأكراد على الشريط الحدودي.
غير أن أحداث باريس أعادت تسليط الضوء مجددا على الرقة عاصمة “الدولة الإسلامية”، مع توجه المجتمع الدولي إلى القضاء على “داعش” بشكل نهائي، وفعلا شهدت الأيام الأخيرة عمليات قصف جوي من التحالف الدولي وروسيا وفرنسا على السواء.
إلا أن محاربة التنظيم في الرقة تتطلب حسابات أخرى، فالغارات الجوية غير كافية، والأكراد وحدهم غير قادرين على ذلك، فضلا عن عدم رغبتهم قتال التنظيم بشكل منفرد وإن اقتربوا من مدينة الرقة، وهو مطلب أمريكي ـ تركي أيضا، خوفا من انتشار “وحدات الحماية الكردية” في عموم الرقة على حساب سكانها ذات الأغلبية العربية، كما أن “قوات سوريا الديمقراطية” لا تكفي لمثل هذه المعركة، فضلا عن ضعف المكون العربي فيه من حيث عديد المقاتلين ونوعية التسليح، وهي عملية مقصودة يقول المقاتلون العرب لبقاء تفوق المكون العسكري الكردي.
وتحاول واشنطن منذ أسابيع توسيع دائرة المقاتلين العرب، بضم مجموعات أخرى في قتال التنظيم كـ “الجيش الثوري في الرقة” وعشائر عربية لا بد من تأمين دعمها لإحراز نصر على التنظيم، فضلا عن إدخال قوات كردية من خارج “وحدات حماية الشعب الكردي” و “وحدات حماية المرأة”، مثل بشمركة روجآفا، وهم الجنود الكرد المنشقون عن قوات النظام ممن تلقوا تدريبات في إقليم كردستان العراق.
وتهدف واشنطن وأنقرة من هذه الخطوة إلى عدم حصر الوجود العسكري الكردي بـ “وحدات حماية الشعب” (YPG) الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، فهي تفضل أن تكون السيطرة في الشمال والشمال الشرقي من سوريا بأياد متنوعة إثنيا تضم العرب والأكراد بمجمل مكوناتهم السياسية لتحقيق هدفين:
1ـ الحيلولة دون خضوع الأكراد لقوة واحدة تهيمن على القرار الكردي بمفردها، وتمارس سياستها ضمن أهدافها الضيقة.
2ـ الحيلولة دون بقاء القوات العربية وحدها في الميدان، فمن شأن وجود قوات كردية رديفة لها أن يمنع القوى العربية من الانزياح عن الهدف الأمريكي.
وقبل أيام نقل وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان عن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، قوله إنه مستعد للتدخل على الأرض في الرقة السورية، فيما كشف كفاح محمود المستشار الإعلامي للرئيس مسعود البارزاني عن وجود مفاوضات بين أمريكا وحكومة الإقليم لإشراك قوات البشمركة في معركة تحرير الرقة المرتقبة، ضمن اتفاق بناء قوات مشتركة لمحاربة داعش مرتبطة بالتحالف الدولي.
بيد أن هذه الخطوة ستؤدي إلى أزمة بين المكونات الكردية، فبشمركة روجآفا تتبع المجلس الوطني الكردي المدعوم من كردستان العراق، ويحظى بعلاقات جيدة مع تركيا، وكانت “وحدات الحماية الكردية” وحركة المجتمع الديمقراطي الكردية قد هددتا سابقا بعمليات اعتقال وبالمواجهة في حال تم إدخال بشمركة روجآفا إلى سوريا، وترفض “وحدات الحماية الكردية” وجود أي مكون عسكري كردي خارج إمرته.
هذه المعضلات هي التي أجلت معركة الرقة منذ مطلع الشهر الماضي، وهي نفسها التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير في التحالفات الكردية مع القوى الإقليمية والدولية، فالرقة من حيث توسطها بين الحسكة في الشرق وحلب في الغرب، تعتبر عصب المنطقة الشمالية والشريان الرئيسي للتواصل الكردي في سوريا.
سيريان تلعراف | حسين محمد