حقق الجيش السوري بغطاء جوي روسي مكثف تقدما في ريف حمص الجنوبي الشرقي باستعادته اليوم الاثنين بلدة مهين وقرية حوارين من تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ولم تتجاوز المدة الزمنية بين سيطرة “داعش” على مهين واستعادتها اليوم من قبل الجيش السوري سوى 22 يوما، حيث بدا واضحا أن الحكومة السورية لن تسمح ببقاء مهين في قبضة التنظيم بسبب موقعها الهام، إذ تبعد عن الأوتستراد الدولي نحو 20 كلم، ومن شأن سيطرة التنظيم عليها أن يضعه على بوابة القلمون من الناحية الشمالية وعلى مقربة من حسيا والقصير في ريف حمص الجنوبي.
وتترافق هذا التطور مع محاولة الجيش السوري المدعوم بغطاء جوي روسي من استكمال ملاحقة تنظيم داعش في ريف حلب الشرقي، في وقت يحاول السيطرة على مناطق في ريف اللاذقية الشمالي والشمالي الغربي.
وخلال الأسابيع الماضية ركز الجيش السوري على محورين في ريف اللاذقية الشمالي، الأول تلال جب الأحمر غربا، تمهيدا للسيطرة على بلدة السرمانية في سهل الغاب في محافظة حماة شرقا، ومن ثم تكوين منطقة محصنة تضم أيضا معسكر جورين لتكون قاعدة عسكرية للجيش السوري للانطلاق نحو ريف إدلب الجنوبي وخصوصا نحو مدينة جسر الشغور، والمحور الثاني بلدة غمام وجبل الأكراد.
ولكن خلال الأيام الماضية بدأ الجيش السوري العمل على محور ثالث، يتمثل بجبل التركمان في الشمال الغربي لريف اللاذقية من أجل السيطرة على نبع المر وقرية عفريت وتلة العزر، وترافقت عمليات هذا المحور مع هجوم جوي عنيف شنته الطائرات الروسية.
يشكل المحور الثالث (جبل التركمان) هدفا استراتيجيا مهما للجيش السوري من ناحيتين:
1ـ تطويق الساحل من الناحيتين الشرقية والشمالية قبيل وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في اجتماع فيينا، وبالتالي إخراج الساحل من ساحة الصراع.
وقد تنبه الائتلاف المعارض لهذا المخطط، فدعا “الجيش الحر” إلى النفير العام لصد الهجمات التي سيقوم بها الجيش السوري، على ريف اللاذقية الشمالي، خصوصا بعد سيطرته على تلة جبل الزاهية الاستراتيجية المطلة على جبل التركمان قرب الحدود التركية.
2ـ العمل على وأد إمكانية إقامة منطقة آمنة شمالي سوريا، مع التسريبات التركية التي نشرت مؤخرا من أن المنطقة الآمنة ستقام خلال أسبوع في منطقة تمتد من جرابلس إلى شنكال في أقصى الشمال الغربي على الحدود التركية، مرورا بدير حافر وتل رفعت وبلبل.
وجاء هذا التسريب بعد يوم واحد من سيطرة ما يعرف بـ”الجبهة الشامية” على بلدة دلحة وسيطرة “لواء السلطان مراد” على قرية حرجلة في ريف حلب الشمالي، في بداية للعملية العسكرية التركية الأمريكية المشتركة التي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبل أيام لتحرير الـكيلومترات المئة المتبقية من الحدود السورية – التركية بيد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
لا يشكل هذا التسريب جديدا، فالأتراك يتحدثون عن المنطقة الآمنة منذ نحو سنتين وسط رفض أمريكي ـ روسي ـ أوروبي، لأن هذه المنطقة في حال إقامتها ستعقد الوضع الميداني في الشمال أكثر مما هو معقد أصلا، فضلا عن أنها تلبي الحاجة التركية فقط، وستكون على حساب حلفاء واشنطن المحليين (الأكراد)، وقد أعلن الرئيس الأمريكي في قمة العشرين رفضه المنطقة الآمنة: “يعتبر إنشاء منطقة أمنة أو منطقة حظر طيران في سوريا، أمرا خطرا بالنسبة لأهداف أمريكا” في معرض رده على تصريحات أردوغان التي قال فيها إن “حلفاء لتركيا في المعركة ضد تنظيم “داعش” يقتربون من فكرة إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري”.
والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة لم تعلق كعادتها على هذا التسريب، كما لم تعلق باريس عليه، إذ بحسب المصدر التركي تجري مشاورات لمشاركة فرنسا في عمليات الدعم الجوي في شمالي حلب.
لكن حتى الآن لا يبدو واضحا طبيعة هذه المنطقة في حال إقامتها، هل هي ستكون كما كانت تطالب به أنقرة منذ نحو عامين، بحيث تشكل قاعدة عسكرية للانطلاق منها نحو جبهات أخرى؟ أم هي مجرد منطقة آمنة تكون مأوى للنازحين وقاعدة للحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف؟
بكل الأحوال ثمة مصاعب كبيرة في إمكانية إقامة هذه المنطقة، فروسيا والولايات المتحدة لن يقبلا بمثل هذه المنطقة وإن كانت لأسباب إنسانية، حيث لا أحد يضمن أن تتحول إلى منطقة عسكرية تشكل منطلقا لقوات المعارضة المدعومة من تركيا وقطر والسعودية.
سيريان تلغراف | حسين محمد