تتسارع الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية لحل العقدتين اللتين ستكونان محور اجتماع فيينا المقبل: تحديد وفد المعارضة لمفاوضات التسوية ووضع قائمة بالفصائل التي ضمن قائمة الإرهاب.
فيما يتعلق بالعقدة الأولى ستشهد الأيام والأسابيع المقبلة اجتماعات عدة في أكثر من عاصمة لمناقشة هذه النقطة، لكن الاجتماع الأهم سيكون في السعودية منتصف الشهر المقبل والذي من المقرر أن يضم كافة أطياف المعارضة.
وتحاول السعودية وبعض الدول الإقليمية تكريس قائمة الوفد المعارض لمفاوضات التسوية والمرحلة الانتقالية، بحيث تغلب عليها الأسماء الحليفة للرياض والدوحة وأنقرة، مقابل القائمة التي قدمتها روسيا (38 شخصية)، ومقابل القائمة الأمريكية (15 شخصية) التي لبت مطالب الفرقاء باستبعاد قياديي جماعة الإخوان منها تلبية للقاهرة والرياض، واستبعد منها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تلبية لتركيا، وأضعف فيها تمثيل الائتلاف بعدما ضمت شخصيات من المجتمع المدني ومن العائلات الكبيرة المؤثرة في الساحة الاجتماعية، فضلا عن شخصيات دينية مهمة.
لكن مؤتمر السعودية يواجه عراقيل عدة، أهمها كثرة القوى السياسية المعارضة والجهات الدولية الداعمة لها.. وتواجه الرياض معضلة تتمثل في أن حليفيها الإقليميين في سوريا (أنقرة والدوحة) يدعمان الإخوان أعداء الرياض، كما توجد مشكلة أخرى مرتبطة بممثلي الفصائل العسكرية، حيث تركز السعودية على “جيش الإسلام” و “الجيش الحر”، فيما تركز الدوحة وتركيا أكثر على “أحرار الشام” و”الجيش الحر” وبعض الفصائل الأخرى.
أما العقبة الثانية المتمثلة بوضع قائمة للفصائل الإرهابية، فقد تم توكيل الأردن والأمم المتحدة بمهمة التصنيف، ومع أن جميع الفرقاء باتوا متفقين على اعتبار “داعش” و “جبهة النصرة” في عداد قائمة الإرهاب، فإن الخلاف ما زال قائما بالنسبة لباقي الفصائل خصوصا تلك التي تمتلك وزنا عسكريا على الأرض، وقد جرى اعتماد المعادلة نفسها التي تم استخدامها على المستوى السياسي، أي الاتفاق على ما هو واضح وترك القضايا الخلافية إلى حين، وهكذا جرى على ما تكشفه التسريبات السياسية أن الفصائل الأخرى سيترك أمر تحديدها خلال المرحلة الانتقالية ومدى استجابة كل فصيل لمتطلبات هذه المرحلة.
وتبدو الأمور متجهة نحو حل وسط، بحيث يتم رفض طلب دمشق وإيران اعتبار كل من يحارب الجيش السوري يجب أن يدرج في قائمة الإرهاب، في مقابل طلب بعض الدول الإقليمية عدم إدراج بعض الشخصيات في “جبهة النصرة” ضمن قائمة الإرهاب.
وتقوم مقاربة الأمم المتحدة في هذا الشأن على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق شامل للنار، مع إرسال مراقبين أممين للإشراف على ذلك، ومن شأن النجاح في وقف إطلاق النار أن يغري بعض القوى العسكرية المترددة في الانخراط ضمن عملية التسوية، وهذه هي الخطة التي يجادل عليها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا الذي قال أمس: “كلما اقتربنا من تحقيق وقف لإطلاق النار، كلما كانت هناك إغراءات لبعض الأطراف بالحصول على موقف عسكري أفضل.. أرجوكم ساعدوني في هذا الأمر، إن ما أقوله لكم يعتمد على 43 عاماً من الخبرة”.
ومن الواضح أن هذه الخطة بدأت تؤتي ثمارها، حيث بدأت قبل أيام قوى بالانضمام إلى تحالف “قوات سوريا الديمقراطية” المدعوم أمريكيا، وأعلن 19 فصيلا في “الجيش الحر” تكليف قاسم محمد المطلق بتمثيل الجيش الحر في الوفد المعارض، واستبدلت حركة “أحرار الشام” مكتبها الشرعي بمكتب أسمته مكتب الدعوى وكلّفت به أشخاصا يوصفون بالاعتدال.
عقبات أخرى
اصطدمت الجهود الدولية بتصريحات الرئيس السوري بشار الأسد بعد التحفظات التي أبداها حيال الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية، حيث أعلن بطريقة غير مباشرة رفض دمشق لمبدأ تلازم المسارين العسكري والسياسي أو حتى إعطاء الأولوية أكثر للعسكري مقابل السياسي، فالمطلوب والكلام للأسد القضاء أولا على “الإرهاب” ومن ثم البدء بالمرحلة الانتقالية، إذ “لن يكون من المجدي تحديد أي جدول زمني، لأنه لا يمكن أن تحقق أي شيء سياسي في الوقت الذي يستولي فيه الإرهابيون على العديد من المناطق في سوريا”.
الخلاف في هذا الشأن سيكون محور لقاءات وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع القيادة الروسية خلال الأيام المقبلة.
وتزامنت تصريحات الأسد مع عودة الجدل بين موسكو وواشنطن حول مصيره مع إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن السوريين “لن يقبلوا ببقاء الأسد في السلطة بعد الحرب، التي شهدت قيام النظام بهجمات ضد المدنيين.. لا يمكنني أن أتصور وضعا يُمكننا فيه إنهاء الحرب الأهلية في سوريا مع بقاء الأسد في السلطة”، وهو ما رد عليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين قال “إن الرئيس السوري بشار الأسد يمثل مصالح جزء كبير من المجتمع السوري، ويستحيل إيجاد حل سلمي بدونه”.
وأغلب الظن أن تصريحات موسكو وواشنطن حيال الأسد موجه لحلفاء كل طرف، حيث تسعى الإدارة الأمريكية إلى تطمين المعارضة السورية والدول الإقليمية الداعمة لها بأن الأسد لن يكون جزءا من اللعبة السياسية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، في حين يطمئن الكرملين دمشق وإيران بأن مسألة الأسد متروكة للشعب السوري، أي إلى صناديق الاقتراع وإن لم تجاهر موسكو بذلك صراحة.
سيريان تلغراف | حسين محمد