Site icon سيريان تلغراف

اللاجئون السوريون .. ما بعد أحداث باريس

انتقد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الدعوات لطرد طالبي اللجوء القادمين من سوريا بعد اعتداءات باريس، رافضا التركيز على اللاجئين لأنهم أناس ضعفاء، فروا من العنف.

وتأتي دعوة الأمم المتحدة هذه، بعد ارتفاع حدة الخطاب السياسي والاجتماعي في أوروبا والولايات المتحدة ضد اللاجئين: فرنسا تطالب برقابة أشد على الحدود الأوروبية وبتوقف العمل باتفاقية “شنغن”، ومحتجون يحرقون مخيم “كاليه” للاجئين شمالي فرنسا، بولندا تعلن على لسان وزير الشؤون الأوروبية المقبل أنها ستتوقف عن استقبال لاجئين بموجب البرنامج الأوروبي لتوزيع اللاجئين بين الدول الأعضاء، و 14 ولاية أمريكية (ألباما واريزونا واركانسو والينوي وانديانا ولويزيانا وماساشوستس وميشيغان وميسيسبي وكارولينا الشمالية وتكساس و وينكنسون وفيرجينيا) ترفض استقبال اللاجئين السوريين.

وعلى الرغم من تزايد حدة الخطاب المناهض للهجرة، وانزياح معظم الأحزاب نحو اليمين فيما يتعلق بسياسة الهجرة، فإن الخطاب المؤيد للهجرة مازال قويا في الساحة الأوروبية، فقد دعا رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود دول الاتحاد الأوروبي إلى عدم الانقياد لردود الفعل “الذميمة”، الداعية إلى رفض دخول اللاجئين، مشددا على أن مطلقي النار(في باريس) مجرمون وليسوا طالبي لجوء، وهو الموقف ذاته، الذي أعلنته ألمانيا وهولندا ودول أخرى.

ولا يمنع ذلك من وجود موجة منتشرة بعد أحداث باريس، ليست ضد اللاجئين فحسب، بل وضد المسلمين الأوروبيين بشكل عام والفرنسيين بشكل خاص، ويمكن القول إن الدعوات المناهضة للهجرة قد اتخذت من أحداث باريس ذريعة لذلك، فالدول المؤيدة للهجرة رفضت عملية الربط بين اللاجئين والإرهاب، فيما اتجهت الدول الرافضة بالأساس للهجرة إلى محاولة ربط اللاجئين والإرهاب، وإن بطريقة غير مباشرة.

وأغلب الظن أن أحداث باريس ستؤدي إلى زيادة حدة الخلاف بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حيال الهجرة، وستجد الدول المناهضة للهجرة في أحداث باريس سببا إضافيا ومهما للتشبث في مواقفها، الأمر الذي قد يحدث أزمة داخل الاتحاد الأوروبي، ربما تقضي على اتفاقية “شنغن”.

وربما تختزل ألمانيا هذه الأزمة، التي تعصف بالقارة الأوروبية، ففي حين تعهدت ميركل بالكفاح من أجل وجهة نظرها حول اللاجئين حين قالت “نعلم أن حياتنا الحرة أقوى من الإرهاب، دعونا نرد على الإرهابيين بأن نعيش قيمنا بشجاعة”، ذهبت شخصيات أخرى من ضمن التحالف الألماني الحاكم إلى ضرورة تغيير السياسة الألمانية تجاه الهجرة، في دلالة على تغيير لا يستهان به بدأ منذ فترة وازداد مؤخرا ضمن التحالف الحاكم، ضد الهجرة غير المنضبطة.

ومن الواضح أن هجمات باريس ستكثف البعد الأمني على حساب البعد الليبرالي الذي طالما حملت لواءه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي يجب أن تتخذ قرارا، إما بترك الحدود مفتوحة والمخاطرة بتكرار أحداث باريس داخل الأراض الألمانية، أو إغلاق الحدود والتراجع ببطء عن السياسات الليبرالية.

غير أن داعمي ميركل يحاولون التأكيد على أن ما حدث في فرنسا يصعب تكراره في ألمانيا، بسبب عملية الاندماج الأفضل للاجئين مقارنة بالدول الأخرى أولا، وبسبب العدد المنخفض نسبيا للإسلاميين المندرجين تحت قائمة الخطر ثانيا، (نحو 300 شخص حسب الخبراء الألمان مقارنة مع أكثر من 5000 في فرنسا)، وبسبب المشاركة الضعيفة والمحدودة لألمانيا في التحالف الدولي، الذي يحارب تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا ثالثا.

بكل الأحوال، تشكل أحداث باريس تاريخا مفصليا هاما سيؤثر سلبا بطبيعة الحال على سياسة الهجرة، وسيعزز القناعة بضرورة إيجاد حلول لأزمة اللجوء خارج القارة الأوروبية، وفيما كانت الدول الأوروبية تتباطأ في تقديم المساعدات المالية لتركيا، بدأت هذه الدول بالتسارع إلى تقديم المساعدات التي طلبتها أنقرة (3 مليارات يورو سنويا)، فقد أعلنت بريطانيا عن تقديم 400 مليون يورو.

لكن تركيا، التي تخشى أن يزداد الضغط عليها، أعلنت على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان في قمة العشرين، ضرورة التفريق بين الإرهاب واللاجئين، وهو الموقف الذي لقي دعما أمريكيا.

ويبدو أن تركيا ستبدأ قريبا خطوات مهمة تجاه اللاجئين من شأنها أن تخفف من حدة الهجرة إلى أوروبا، فقد أكد حزب “العدالة والتنمية”، أنه بعد تشكيل الحكومة الجديدة وتسلمها مقاليد الأمور في 28 من الشهر الجاري، و خلال 100 يوم، سيتم استصدار قرارات تاريخية ومصيرية وإصلاحية بشأن اللاجئين السوريين في تركيا، تمكنهم من العيش بكرامة، والاندماج مع المجتمع التركي.

سيريان تلغراف | حسين محمد

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

Exit mobile version