أنهى اجتماع فيينا أعماله بالاتفاق على خطة لعملية سياسية يقودها السوريون تفضي خلال 6 أشهر إلى حكومة جديرة بالثقة تضع جدولا زمنيا لعملية صياغة دستور، وإجراء انتخابات خلال 18 شهرا.
وهذه هي المرة الأولى التي يتوصل فيها المجتمع الدولي إلى اتفاق حول إطار زمني لحل الأزمة السورية، يتضمن خارطة طريق لإقرار وقف إطلاق نار شامل مدعوما بقرار دولي، من دون أن يشمل الوقف “داعش” و “جبهة النصرة”.
ومن المقرر أن يعقد ممثلو الحكومة السورية وممثلو المعارضة مفاوضاتهم بحلول كانون الثاني / يناير المقبل، لتحديد شكل ومضمون الحكومة التي تتألف من طرفي الأزمة، وفي حين حددت الحكومة السورية أسماء وفدها المفاوض، ينتظر أن تحدد المعارضة وفدها المفاوض، وهي نقطة خلاف ما زالت قائمة.
وفي محاولة لتأكيد أهمية ودور الائتلاف في أية مفاوضات سياسية، عقد وزراء خارجية السعودية وقطر وتركيا اجتماعا موسعا مع رئيس الائتلاف الوطني السوري خالد خوجة والوفد المرافق له، في حين لا تفضل دول أخرى أن يهيمن الائتلاف على المعارضة.
بكل الأحوال، شكل اجتماع فيينا خطوة متقدمة مقارنة بالاجتماع السابق، فثمة جدول زمني هنا لمرحلة انتقالية، وثمة قرار دولي مرتقب من مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار، ويبدو أن الرؤية الروسية هي التي انتصرت في الأخير، حيث قبل المجتمعون أن تمتد المرحلة الانتقالية إلى سنة ونصف، بعدما كانت السعودية وبعض الدول يصرون على أن تكون مدتها 6 أشهر فقط.
لكن، ومع هذا التقدم الملحوظ، توجد ثلاث عقبات رئيسية لا بد من تذليلها:
1ـ عقدة الأسد، حيث الخلاف ما زال قائما بين دول تدعو إلى تنحيه مع بدء المرحلة الانتقالية، كي يتم التركيز على محاربة الإرهاب، وتمثل فرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر هذا الاتجاه، وبين روسيا وإيران ومصر والإمارات إلى حد ما، يصرون على أن يكون مصير الأسد في نهاية المرحلة الانتقالية، وهو الرأي الذي تؤيده واشنطن، ويبدو أنه سيصبح الصيغة المتوافق عليها.
ومع ذلك، فإن السؤال الرئيسي لم يطرح بعد، هل يحق للأسد بعيد انتهاء الأشهر الـ 18 أن يترشح للانتخابات؟ يعاود الانقسام يظهر من جديد بين موسكو التي تترك هذا الموضوع للسوريين أنفسهم، وبين أطراف إقليمية ودولية مصرة على تنحيه بعيد المرحلة الانتقالية وأن لا يكون جزءا من مستقبل سوريا، أي لا يحق له الترشح للانتخابات.
ويبدو أن أطراف فيينا، قرروا ترك مصير الأسد إلى مرحلة لاحقة، بحيث يتم الاتفاق على هذه المسألة تبعا لتطورات المرحلة الانتقالية وما ستفرزه من تغيرات سياسية وميدانية.
وكلام كيري الذي يحمل نكهة روسية كان واضحا، “ما زلنا مختلفين بكل وضوح بشأن مسألة ما الذي سيحدث مع بشار الأسد.. لكننا نعول على العملية السياسية نفسها ـ بقيادة السوريين والتي ستمضي قدما ويتفاوض فيها سوريون مع سوريين ـ في أن تسهم في طي هذه الصفحة المزعجة”.
2ـ تصنيف الفصائل العسكرية في قائمة التنظيمات الإرهابية، إذ استمر الانقسام السابق على حاله، وعلى خلاف “داعش” التي يتفق الجميع على أنها منظمة إرهابية، انقسم الفرقاء حول الفصائل الأخرى لا سيما الفصيلين الأقوى “جبهة النصرة” و”أحرار الشام”.
وترفض تركيا وقطر، وإلى حد ما السعودية، المساس بـ “أحرار الشام” واعتباره ضمن قائمة الإرهاب، في وقت طالبت هاتان العاصمتان بضرورة التمييز بين “جبهة النصرة” كتنظيم والأعضاء المكونين لها.
هذا الخلاف تم تأجيله إلى حين قيام الأردن الذي كلف بمهمة وضع قائمة موحدة بأسماء “المنظمات الإرهابية” يتم رفعها لاحقا إلى مجلس الأمن الدولي للمصادقة عليها.
3ـ وقف إطلاق النار، وهي المسألة الأعقد نظرا لكثرة الفصائل المتواجدة على الأرض، ولصعوبة تحديد خطوط التماس في بعض المناطق، الأمر الذي يجعل من المستحيل تحديد من خرق وقف إطلاق النار، حيث يمكن لأي طرف خرق النار واتهما غيره، دون القدرة على التحقق من ذلك.
وهناك مشكلة أخرى، وتشكل امتحانا صعبا للدول الإقليمية الداعمة للمعارضة، إذ أن وقف إطلاق النار سيكون بضمانة الدول الداعمة للأطراف المتحاربة بحسب ما أعلن الوزير كيري، فهل تنجح هذه الدول في ضبط الفصائل المدعومة منها؟ وفي حال نجحت، ماذا عن عشرات القوى الصغيرة المنتشرة في معظم أنحاء سوريا، وغير منضوية ضمن قوى كبيرة ومعروفة؟
سيريان تلغراف | حسين محمد