لم تبدأ العلاقات العربية-الروسية في العهد السوفياتي، بل منذ إعلان الإمبراطورية الروسية نفسها وريثة للإمبراطورية البيزنطية، التي انهارت في القرن الخامس عشر.
وبذلك كانت روسيا تطمح إلى أداء دور خاص في سياسة الشرق الأوسط. ولم يتجلّ ذلك في حروبها مع الأتراك والفرس من أجل القوقاز والإرث البلقاني وحسب، بل وفي صراعها مع فرنسا من أجل الإشراف على المقدسات المسيحية في فلسطين ولبنان، وكذلك في التنافس مع الدول الأوروبية الأخرى لحماية أرثوذكسيي ومسيحيي الشرق الأوسط الآخرين كلهم.
وقبل أن تفتتح في عام 1843 أول قنصلية روسية عامة في بيروت، كان هناك وكلاء قنصليون لروسيا في حلب واللاذقية وبيروت وصيدا في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر.
أما في العهد السوفياتي، فكانت موسكو منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي وحتى نهايتها، أحد اللاعبين الرئيسين في الشرق الأوسط، لكنها فقدت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الكثير من نفوذها في بلاد الشام. بيد أنه مع اعتلاء فلاديمير بوتين سدة الرئاسة في عام 2000، بدأت العمل لاستئناف العلاقات الوثيقة مع الأصدقاء التقليديين للاتحاد السوفياتي من العرب، مدفوعة بتجاهل واشنطن لتعاونها غير المحدود معها بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001.
وتلخصت مهمة السياسة الخارجية لبوتين في السنوات التالية في استرجاع وضع روسيا كواحدة من الدول العظمى في عالم يجب أن يكون متعدد الأقطاب؛ وقد أولى الرئيس الروسي اهتماماً كبيراً لاتّباع سياسة خارجية منفردة، مستقلة عن الغرب. وبذلك، تم التشديد على اختلاف قيادة بوتين عن القيادة الروسية الموالية للغرب في النصف الأول من التسعينيات من القرن الماضي في عهد الرئيس بوريس يلتسين. ولاحت معالم التنافس مع الغرب بشكل خاص بين عامي 2003 و2005.
وفي نهاية حزيران 2005، نالت روسيا في اجتماع وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي في الجمهورية اليمنية العضوية في هذه المنظمة بصفة مراقب.
وإبان العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006، لوحظ في هذه الفترة شحّ في اتصالات المسؤولين الروس مع المسؤولين الإسرائيليين مقارنةً بتفعيلها على الاتجاهين الإيراني ـــــ العربي. وأصبح العدوان على لبنان فاتحة للحوار مع كل القوى السياسية الفاعلة في المنطقة بما فيها “حزب الله” و”حماس”، ولا سيما أن موسكو كانت قد بدأت بإقامة اتصالات سرية مع “حزب الله” بمبادرة من نائب وزير الخارجية الروسية الراحل فيكتور بوسوفاليوك في عامي 1997ــ 1998.
وفي كانون الثاني 2006، كانت روسيا أول دولة غير مسلمة تؤيّد الحوار مع القيادة الجديدة الفلسطينية الممثلة بزعماء «حماس». وبدعوة من القيادة الروسية، زار وفد “حماس” برئاسة رئيس المكتب السياسي خالد مشعل موسكو في آذار/مارس من عام 2006. ونوّه لافروف في الشهر نفسه “بدور حزب الله السياسي في لبنان”.
ومن ناحية أخرى، بدا أن العلاقات الدبلوماسية، التي استؤنفت بين الاتحاد السوفياتي وإسرائيل في نهاية عام 1991، ووجود ما يقارب من مليون يهودي من ذوي الأصول الروسية في إسرائيل، ستكونان ورقتين رابحتين في يد موسكو لدعم وساطتها بين الفرقاء في الشرق الأوسط، غير أنه تبين أن حجم النفوذ الروسي لم يصل إلى حجم النفوذ السوفياتي. ووفق تصريحات المسؤولين الروس، فإن ذلك لأن “إسرائيل تعد الولايات المتحدة شريكتها الاستراتيجية الرئيسة، أما إيران فتتعاون مع روسيا في القضايا، التي تملك فيها روسيا نفوذاً فعلياً أو حينما تتطابق مصالحهما في قضايا مثل البرنامج النووي الإيراني أو في طاجيكستان وأرمينيا وأفغانستان”.
هذا، وفيما يتعلق بسوريا، فقد استمر التعاون معها حتى وفاة الرئيس حافظ الأسد عام 2000، واستمر التعاون بين البلدين في عهد الرئيس بشار الأسد.
وزار بشار الأسد روسيا في شهر كانون الثاني/يناير من عام ٢٠٠٥، لتعلن موسكو عن إلغاء ٧٣٪ من الديون السورية (نحو ١٠ مليارات دولار). وقام الأسد بزيارته الثانية إلى موسكو في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام ٢٠٠٦، ليقوم بزيارته الثالثة إلى روسيا في شهر آب/أغسطس من عام 2008، حيث استقبله في مدينة سوتشي الروسية الرئيس الروسي دميتري مدفيديف.
وفي عام 2008، قررت موسكو إعادة تجهيز النقطة اللوجيستية للدعم المادي والتقني للبحرية الروسية في مدينة طرطوس، التي افتتحت في عام 1971، ثم أهملت.
بينما قام الرئيس مدفيديف في أيار/مايو من عام 2010 بزيارة رسمية إلى دمشق.
ذلك إضافة إلى زيارات المسؤولين الروس والسوريين ووزيري خارجية البلدين المتبادلة.
وفي عام 2011، عندما اندلعت الأحداث في درعا، كان الدعم الروسي كاملا، ليصل في 30 أيلول/سبتمبر من هذا العام إلى بدء عملية عسكرية روسية في سوريا.
سيريان تلغراف | حبيب فوعاني