تصدرت الأربعاء 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري صورة الرئيس الأمريكي غلاف مجلة “أوت” الشهرية الموجهة للمثليين مرفقة بعبارة “رئيسنا – الحليف والبطل والرمز”.
جاء ذلك لشكر باراك أوباما على دوره في إقرار المحكمة العليا الأمريكية في نهاية يونيو/حزيران الماضي زواج المثليين في الولايات الأمريكية كافة.
وذكرت المجلة أن أشخاصا كثيرين ساهموا في التوصل إلى اتخاذ هذا القرار، بيد أن “الالتزام الفاعل” للرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، لعب الدور الأساس في “تحقيق هذا الحلم”.
يجب القول إنه عندما جاء باراك أوباما إلى السلطة تحت شعار القدرة على التغيير توسم الناس في مختلف بقاع الأرض خيرا بعد فترة رئاسة “كليم الله” جورج بوش الابن، ومنحه الأوروبيون جائزة نوبل للسلام لحثه على تقويم خطى سلفه.
بيد أن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر؛ فالرئيس الأمريكي، الذي انتخب عام 2008 في ظل تعب الشعب الأمريكي من الحروب، التي شنها بوش، حوَّل بتدخله وحلفائه في ليبيا هذا البلد الغني بالنفط إلى ولايات متنازعة فقيرة تصدِّر ألوف اللاجئين إلى أوروبا بعدما كانت تستقبل الراغبين بالعمل من كل حدب وصوب، أما في سوريا والعراق فأصبح “داعش” سيد الميدان.
في حين أن روسيا التي تقض مضاجع الإرهابيين في سوريا، خلافا للولايات المتحدة وحلفائها، الذين تغاضوا عن ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي، تعاني من العقوبات الغربية المفروضة عليها.
ويتلألأ أوباما فرحا ونرجسية حين يؤكد أن العقوبات كادت أن توقف اقتصادها، محاولا التهويل من حدوث أزمة اقتصادية خانقة فيها لا تبقي ولا تذر.. وهي النظرة المسطحة نفسها، التي يروج لها اقتصاديو الغرب، الذين يقتاتون على الخراب واليباب، وهم على علم تام بأن انخفاض نمو الناتج المحلي لا يعني اندلاع الأزمة الاقتصادية، ومع ذلك فهم يجهدون ليل نهار لإيهام الناس بدنو العاصفة الهوجاء، في خداع متعمد من الرئيس الأمريكي والزعماء الأوروبيين، لطمأنة ناخبيهم، الذين يفقدون إيرادات كبرى بفعل العقوبات، التي فرضتها بلدانهم على روسيا بإيعاز من الإدارة الأمريكية.
نعم إن روسيا، بدأت فعلا بخفض استيراد البضائع وإنتاج خامات أقل، لكن ذلك يمكن أن يثير أزمة للدول الصغيرة أو الفقيرة، لأنها لن تستطيع شراء ما تحتاج إليه من الخارج، وليس لهذه الدولة الأوراسية، التي لا تفتقر إلى إيٍ من عناصر قائمة مندلييف الكيميائية. فضلا عن الثروات الطبيعية والمساحات الهائلة لإنتاج المزروعات، والتايغا، والجبال، والأنهار، والغابات، والبحار، وبحيرة البايكال، التي تحتوي على 25% من الاحتياطيات العالمية من المياه العذبة، وكذلك النفط، والغاز، والفحم إضافة إلى المعادن العادية والنادرة.
وحتى إذا تحقق حلم أوباما الخيالي، وبقيت روسيا في عزلة اقتصادية مطبقة عن العالم – هذه الدولة ستستطيع الصمود طويلا، وسيكون وضعها مشابها لوضع تشكَّل قبيل الحرب العالمية الثانية، حيث حقق الاتحاد السوفياتي بفضل عزلته أكبر نمو للناتج المحلي في تاريخ الإنسانية (15%-30%).
ولعله لذلك يتمنى رئيس الديوان الرئاسي سيرغي إيفانوف أن يطول حصار روسيا الاقتصادي بضع سنين أخرى لحفز الإنتاج الداخلي والتخلي عن استيراد ما يمكن إنتاجه في روسيا.
ولكن، إذا كان السيد أوباما يتحرق شوقا إلى الحديث عن الانهيارات الاقتصادية، فلمَ لا يتحدث عن الأزمة المستترة والمستدامة في بلاده، التي تبلغ نسبة دينها الخارجي 150% من ناتجها المحلي.. أليس من المخجل الحديث عن أزمةٍ في روسيا، التي لا يتجاوز دينها الخارجي 16% من ناتجها المحلي، ما يعتبر أقل من المستوى العالمي المتوسط للديون؟
غير أن ملك سدوم وعمورة الجديد، كما سماه أحد الصحفيين، منشغل بأمور أخرى. من “القدرة على التغيير” في الولايات المتحدة إلى الزهو بزواج المثليين والفرح “بانتصار الحب” – تطور لم يتوقعه أحد من باراك حسين أوباما، الذي تُذكِّر نرجسيته بشيشرون خطيب روما، الذي كان ينظم شعرا في مدح نفسه، ويهنئ روما بوجوده فيها.
هنيئا لواشنطن بوجود أوباما فيها! وتعسا لعالم انتظر منه شيئا آخر غير الخطابات المدبَّجة واستلاب الوعي! أما روسيا فستبقى حارسة أمينة للقيم والأخلاق.
سيريان تلغراف | حبيب فوعاني