شهد العالم الكثير من الكوارث الجوية المأساوية متعددة الأسباب، إلا أن ما وقع في سيناء قبل 42 عاما كان أكثرها عدوانية وتعمدا واستهتارا بأرواح الأبرياء.
حدث ذلك يوم الأربعاء 21 فبراير/شباط من عام 1973 فوق شبه جزيرة سيناء، حيث اعترضت مقاتلتان إسرائيليتان من طراز “فانتوم – 4” طائرة ركاب مدنية من طراز “Boeing 727 – 224” تابعة للخطوط الجوية الليبية انحرفت عن مسارها وأسقطتها من مسافة قريبة، ما أودى بحياة 108 أشخاص من بين 113 من ركابها.
انطلقت طائرة الخطوط الجوية الليبية في رحلتها رقم 114 من مطار العاصمة طرابلس وهبطت لفترة وجيزة في مطار “بنينا” في مدينة بنغازي شرق البلاد، ثم استأنفت رحلتها متوجهة إلى محطتها الأخيرة القاهرة وعلى متنها 104 ركاب وطاقم فرنسي من 8 أفراد، إضافة إلى مساعد طيار ليبي.
حلّقت الطائرة المدنية الليبية نحو القاهرة في جو ملبد بالغيوم، وتعرضت لعاصفة رملية ورياح قوية على ارتفاع 6100 متر، وبعد نحو 15 دقيقة بدأ الشك يراود الطيارين بأنهم انحرفوا عن مسارهم نتيجة عطل في البوصلة ولأنهم لم يشاهدوا أضواء المهبط.
واصلت الطائرة في تلك الأثناء تحليقها في اتجاه الشرق، وظن الطاقم أنهم إلى الغرب من القاهرة، فيما كانوا إلى الشرق منها، إلا أن الطيارين لم يبلغوا شكوكهم لبرج المراقبة في مطار القاهرة قبل أن يمنحهم الإذن بالانخفاض.
بعد دقائق معدودة اجتازت طائرة الخطوط الجوية الليبية قناة السويس على ارتفاع 6000 متر، ودخلت إلى سماء شبه جزيرة سيناء التي احتلتها القوات الإسرائيلية في حرب عام 1967.
وحين أبلغ ربان الطائرة برج مطار القاهرة بأنه لا يرى أضواء المهبط، نصحه بالهبوط إلى ارتفاع 1000- 1200 متر، وفي تلك اللحظة اقتربت مقاتلتان إسرائيليتان من الطائرة المدنية الليبية.
أخطأ طاقم الطائرة في تحديد هوية المقاتلتين، وظن أنهما طائرتان حربيتان مصريتان، فيما كانت ستائر نوافذ صالون الطائرة مسدلة نتيجة أشعة الشمس القوية، الأمر الذي أبلغ به الطيارون الإسرائيليون قيادتهم على الأرض.
تلقت المقاتلتان الإسرائيليتان عقب ذلك أمرا بإجبار الطائرة على الهبوط في قاعدة “ريفيديم” الجوية، إلا أن الطيارين الإسرائيليين لم يتمكنوا من الاتصال بالطائرة نتيجة لتوقف أجهزة اتصالاتها. عندها أرسلت المقاتلتان إشارات طالبة الامتثال للأوامر، إلا ان طاقم الطائرة ظل حتى دقائق معدودة قبل الكارثة يعتقد أنه يتعامل مع طيارين مصريين، بل إن ربانالطائرة ومهندس الرحلة الفرنسيين، بحسب التسجيلات، اشتكيا من “وقاحة الطيارين المصريين”.
أرسل طاقم الطائرة الليبية إشارات بالأيدي للمقاتلتين الإسرائيليتين تعني أنه فهم المطلوب منه، وحين نزل بالطائرة إلى ارتفاع 1500 متر، علم أنه يُقاد إلى قاعدة جوية، واعتقد واهما أن مقاتلات “ميغ” المصرية تريد أن تظهر له أنه إلى الشرق من القاهرة، حيث توجد فعلا قاعدة جوية، فيما يقع المطار إلى الغرب من المدينة، لذلك غير اتجاه الطائرة وأخذ مسارا إلى الغرب.
على الرغم من أن الطائرة توجهت إلى الغرب مبتعدة عن سيناء وعن إسرائيل ومفاعلها في ديمونة الذي تخشى من استهدافه، إلا أن الطيارين الإسرائيليين عدوا ذلك محاولة للهرب وتلقوا الأمر بإطلاق النار مباشرة على الطائرة المدنية الليبية.
تلقى الطيارون الإسرائيليون الأمر، بحسب الرواية الرسمية، من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك ديفيد أليعازر، فأطلقوا زخات من رشاشاتهم على مفاصل أجنحة الطائرة المدنية، فتهاوت وقرر ربانها الهبوط اضطراريا في الصحراء، إلا أن الطائرة تحطمت باصطدامها بكثبان الرمال على بعد 55 كيلومترا من القاعدة الجوية الإسرائيلية و20 كيلو مترا من قناة السويس.
أنكرت تل أبيب في البداية أية مسؤولية عن سقوط الطائرة المدنية الليبية، إلا أنه بعد الإعلان عن معلومات الصندوق الأسود وسجل المحادثات بين أفراد الطاقم وبرج المراقبة في 24 فبراير، اعترف الجيش الإسرائيلي بتدمير الطائرة المدنية الليبية.
بررت الحكومة الإسرائيلية فعلتها، التي توصف بأنها قتل جماعي لركاب طائرة مدنية، بالوضع الأمني المتوتر في المنطقة، وألقت باللوم في ذلك على “السلوك العشوائي لطاقم الطائرة الليبية”، وأعلنت على الملأ أنها اتخذت كافة الإجراءات المناسبة بما يتفق مع حقها في الدفاع عن النفس!.
اللافت أن ضابط الاستخبارات الإسرائيلية الموساد السابق فيكتور أوستروفسكي ذكر في كتابه “عن طريق الخداع” أن من اتخذ قرار إسقاط الطائرة ضابط برتبة نقيب، وذلك لعدم العثور في حينه على قائد القوات الجوية الإسرائيلية!
بدورها، فضلت الأمم المتحدة عدم اتخاذ أي إجراء ضد إسرائيل، مشيرة إلى حق الدول ذات السيادة في الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي!
الموقف الوحيد، سجلته منظمة الطيران المدني الدولية، حيث أدان أعضاؤها إسرائيل، وتغيبت الولايات المتحدة، كما هي العادة، عن التصويت!
سيريان تلغراف | محمد الطاهر