Site icon سيريان تلغراف

موسكو تريد استكمال جهدها السياسي في سورية بالبحث عن قوى عسكرية سورية علمانية

نفت الخارجية الروسية علمها بتقارير حول عقد لقاء مرتقب بين وفد من “الجيش السوري الحر” ومسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين في العاصمة الإماراتية أبوظبي أواخر الأسبوع المقبل

جاء ذلك في وقت نفت فيه أربعة من فصائل “الجيش الحر” أيضا.

وجاء هذا النفي بعد خبر نشرته وكالة “سبوتنيك” للأنباء ذكرت فيه أن وفدا من “الجيش السوري الحر” وافق على لقاء مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين في أبوظبي أواخر الأسبوع المقبل.

ووفقا لمنسق المحادثات بين الطرفين محمود الأفندي، وافق 28 لواء في الجيش السوري الحر في أحياء دمشق والقنيطرة وحماة والضاحية الغربية من حمص، وأيضا من الجبهة الشمالية ومن ضواحي حلب وإدلب على الاجتماع بمسؤولين روس، لمناقشة تشكيل مركز مشترك للعمليات لقتال “تنظيم الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” والبحث عن حل سياسي، بحسب ما صرح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.

بغض النظر عن صحة أو عدم صحة اللقاء المرتقب، فإن الثابت أن ثمة انفتاحا متبادلا بين روسيا وفصائل من الحر، ولم يكن تصريح بوغدانوف عبثيا حين قال للصحفيين “نعم كانوا هنا، وكانوا هنا أيضا هذا الأسبوع.. إنهم هنا طوال الوقت، وهم أناس مختلفون، البعض يغادر والبعض يأتي، لكنهم يقولون جميعا إنهم ممثلو الجيش السوري الحر”.

وأعلنت قيادات في فصائل تابعة للحر عقب هذا التصريح نفيها وجود اتصالات ولقاءات مع روسيا، ومن هذه القيادات:

ـ أبو الليث الشامي القائد في الجيش الحر عن منطقة القلمون، قال إن مرجعيتنا السياسية هي الجمعية الوطنية السورية، وموقفها واضح من روسيا.

ـ فارس البيوش قائد جماعة فرسان الحق التابعة لـ “الجيش الحر”، قال إن الروس يجتمعون مع أشخاص سوريين لا يمثلون أحدا ويدعون أنهم قابلوا ممثلين عن الجيش الحر.

ـ محمد الغابي القائد العام لجبهة الشام العاملة في ريف حماه ينفى أن يكون أي ممثل عن “الجيش الحر” في الجبهة الشمالية لسوريا قد زار موسكو.

ـ باسل الأيهم القيادي العسكري في فرقة صلاح الدين التابعة للجبهة الجنوبية، قال إن الأشخاص الذين شاركوا في اجتماعات مع الروس لا يمثلون “الجيش الحر”.

ـ أحمد السعود المتحدث باسم الفرقة الثالثة عشرة العاملة في غرب سوريا ينفي أية لقاءات مع الروس.

ـ نافع غزال القيادي الميداني في كتائب الفاروق العاملة في إدلب شمال سوريا، ينفي أية لقاءات مع الروس.

لكن تبين فيما بعد أن تصريح بوغدانوف كان صحيحا، فقد كشف عبادة الآغا ممثل “تجمع أنصار الإسلام” بدمشق، أنه زار موسكو نهاية الشهر الماضي وإن كانت بمبادرة شخصية وفق قوله، الأمر الذي يعكس غياب التنسيق بين قوى الحر، وليس بعيدا أن تكون شخصيات أخرى من الحر زارت موسكو وتفضل أن تحيط مباحثاتها بالسرية التامة قبل أن تثمر المباحثات عن شيء إيجابي.

بكل الأحوال، يشكل توسيع موسكو مستوى المباحثات ليشمل قوى ميدانية إضافة إلى القوى السياسية، اختراقا على مستوى الميدان يوازي في أهميته العملية العسكرية الروسية ذاتها.

لكن حتى الآن لا تبدو الصورة واضحة بما يكفي للحكم على هذا التطور، وثمة أسئلة كثيرة تطرح حول الموقف الروسي من “الجيش الحر” تحديدا، بعدما كانت تشكك في تأثيره؛ هل تبحث موسكو عن قوة سورية معتدلة ولم تجد أمامها سوى “الجيش الحر” في ظل كثرة الفصائل الإسلامية، وهل جاء هذا التغيير كما تروج المعارضة لفضح عدم أهلية “الجيش الحر” للجلوس على طاولة المفاوضات مع القيادة السورية؟

من الصعب الإجابة على هذه الأسئلة، لكن متطلبات التسوية السياسية التي ترعاها روسيا، تقتضي بالضرورة الانفتاح على كل الأطراف التي يمكن أن يكون لها دور في العملية السياسية، وبالتالي يبدو أن الروس جادون فعلا في الانفتاح على “الجيش الحر” إذا ما أريد لأية تسوية سياسية أن تلقى نجاحا، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف قبل نحو أسبوعين حين قال “أرى أن روسيا تكاد تكون البلد الوحيد الذي يستمر في الاتصالات مع جميع القوى السياسية السورية، نحن لا نريد دعم مصالح الرئيس بشار الأسد حصرا، كما لا نريد دعم مصالح المعارضة حصرا، وإنما ننشد الأخذ بمصالح سوريا، التي من الأهمية بمكان بالنسبة إليها حلول السلام”.

الهدف الروسي

منذ منتدى موسكو الأول والثاني العام الماضي، بدا واضحا أن القيادة الروسية تبحث عن قوى سياسية معارضة خارج منظومة الائتلاف الذي يرفض أي صيغة لا تؤكد على رحيل الأسد قبل أية مفاوضات، وقد استطاعت موسكو فتح قنوات اتصال مهمة مع قوى كثيرة أهمها هيئة التنسيق برئاسة حسن عبد العظيم، وتيار قمح برئاسة هيثم مناع، فضلا عن شخصيات معارضة مستقلة، لا تضع رحيل الأسد كشرط مسبق لأية مفاوضات.

ومع نجاح الدبلوماسية الروسية في تحقيق ذلك، تتجه موسكو اليوم – مع تسارع الجهود السياسية الدولية – إلى استكمال جهودها بالبحث عن قوى عسكرية سورية علمانية لها أهداف وطنية وتقبل بمحاربة الإرهاب كخطوة أولى على طريق الحل السياسي، ومن شأن ذلك أن يسمح لموسكو بإجراء فرز أولي بين المعارضة المعتدلة والإرهابيين، قبل عقد لقاء ثان حول سوريا، بحسب الوزير لافروف في المؤتمر الصحفي المشترك مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وهي المهمة التي فشل فيها المجتمع الدولي طوال السنوات الثلاث الماضية.

ويبدو واضحا من تصريح لافروف أن الغاية الروسية من الانفتاح على “الجيش الحر” ليست لتحقيق إنجازات عسكرية، فدخول فصائل من الحر في تحالفات ميدانية ضد “داعش” لن يضيف جديدا على المستوى العسكري، بل يمكن القول إن الغاية الروسية من ذلك هي سياسية، جلوس طرفي الأزمة السورية، سياسيين وعسكريين، على طاولة واحدة، تدعيما للرؤية الروسية لما ينبغي أن يكون عليه الحل في سوريا، وهو ما رفضته واشنطن التي أعلنت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية اليزابيث ترودو أن “الوقت لا زال مبكرا لجلوس المعارضة السورية وجها لوجه مع نظام الأسد في روسيا”.

وتخشى واشنطن أن تنجح موسكو في خطتها، الأمر الذي قد يؤدي إلى انقسامات داخل فصائل الحر من جهة، وبين الحر والقوى الإسلامية الأخرى وداعميها الإقليميين، الذين يوفرون السلاح للحر من جهة أخرى، وفي حال حصل ذلك، فإن تغييرا سيصيب منظومة التحالفات العسكرية في صفوف المعارضة.

بكل الأحوال، تعتبر الخطوة الروسية في الانفتاح على “الجيش الحر” تقدما مهما، وسيكشف اللقاء المرتقب الأسبوع المقبل في أبو ظبي مدى الاختراق الروسي وجديته في الوقت نفسه في تقديم رؤية سياسية تقبل بها المعارضة السورية المسلحة.

سيريان تلغراف | حسين محمد

Exit mobile version