أعلن رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك أن قمة لقادة دول الاتحاد الأوروبي ستعقد في 12 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري لمناقشة أزمة اللاجئين.
ومن المقرر أن يسبق القمة في التاسع من الشهر الحالي اجتماع طارئ لوزراء داخلية الاتحاد.
وتبحث القمة بحسب توسك أربع نقاط رئيسية على ضوء تزايد تدفق اللاجئين غير المسبوق: استعراض التدابير التي اتخذتها الدول الأوروبية حتى الآن بشأن أزمة اللاجئين، تحسين التعاون مع الدول الأخرى بما فيها تركيا من أجل وقف تدفق اللاجئين، تنفيذ توزيع اللاجئين داخل الاتحاد الأوروبي، وأخيرا استخدام النقاط الساخنة في اليونان وإيطاليا للسيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد.
وتحاول الدول الأوروبية إيجاد حلول سريعة ليس فقط لتخفيف حدة اللجوء بشكل عام، وإنما أيضا لمواجهة أية كارثة إنسانية محتملة قبيل اشتداد فصل الشتاء، مع ارتفاع وتيرة الهجرة بشكل ملحوظ، حيث عبر البحرالمتوسط في تشرين الأول / أكتوبر الماضي 218 ألف لاجئ، وقد حذر رئيس وكالة فرونتيكس الأوروبية لمراقبة الحدود الدول الأوروبية بضرورة الاستعداد لفكرة أن وضعا صعبا جدا ينتظرها في الأشهر المقبلة.
وأمام الاتحاد مشكلتان، تتعلق الأولى بالمهاجرين المسموح لهم بدخول الاتحاد ويتعرضون لتأخير في بعض دول المرور كمقدونيا وصربيا وكرواتيا والمجر، إذ ينتظرون في العراء ضمن ظروف إنسانية صعبة، وتتعلق المشكلة الثانية بالممنوعين من دخول الاتحاد الذين يطلق عليهم اسم اللجوء لأسباب اقتصادية، حيث يجب عليهم الانتظار بأماكن احتجاز في دول المرور قبيل تسوية أوضاعهم وإرجاعهم إلى بلدانهم. ولأن نقاط الاستقبال والتسجيل التي أقيمت في الجزر اليونانية وصقلية لن تسمح باستيعاب تدفق طالبي اللجوء واقامة مطولة فيها، طالبت بعض الدول الأوروبية بإقامة هيئات استقبال لاحتجاز المهاجرين،
ويعتبر هذا الموضوع نقطة الخلاف الرئيسية داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا، بين دعوة المحافظين إلى إقامة مناطق ترانزيت على طول الحدود، وبين الاشتراكيين الديمقراطيين الذين يرفضون هذه الفكرة ويعتبرونها أشبه بمعسكرات جماعية أو مناطق اعتقال. وأعلن الاتحاد الأوروبي نهاية الشهر الماضي إقامة مئة ألف مكان لاستقبال اللاجئين في اليونان والبلقان بهدف معالجة أزمة الهجرة غير المسبوقة، لكن هذه الخطوة لم تخفف حدة التوترات بين سلوفينيا وكرواتيا وصربيا والمجر بخصوص عبور عشرات آلاف المهاجرين. وما تزال هذه الدول الأربع ترفض مبدأ توزيع اللاجئين الذي توافق عليه قادة الاتحاد الأوروبي، وأكد رئيس الوزراء المجري أن بلاده لن تقبل استقبال 40 ألف لاجئ تخطط دول أوروبية لإعادتهم إليها، داعيا إلى إعادة المهاجرين إلى البلد الأول الذي دخلوا إليه، في إشارة إلى اليونان التي بدأت في عملية توزيع اللاجئين الوافدين إلى أراضيها، وغالبيتهم من السوريين والعراقيين، على سائر دول الاتحاد الأوروبي. ومع أن خطوة اليونان تأتي تطبيقا لآلية جرى الاتفاق عليها بين دول الاتحاد الأوروبية لتوزيع 160 ألف لاجئ، إلا أن هذه الخطوة ستثير غضب دول المرور التي تشهد فيما بينها حالة توتر عالية، وتحاول كل واحدة منها بناء جدران حدودية لوقف تدفق اللاجئين من اليونان، ولمنع المهاجرين من التنقل بين هذه الدول. هذا التوتر دفع المستشارة الألمانية إلى إطلاق تصريح هو الأول من نوعه، بتحذيرها من اندلاع اشتباكات مسلحة محتملة بين دول البلقان في حال أغلقت ألمانيا حدودها مع النمسا، بسبب إصرار دول البلقان، والنمسا معها، على اتباع سياسات حيال الهجرة مخالفة لتوافقات الاتحاد الأوروبي، وتضمنت تصريحات ميركل لهجة تهديد مبطنة بقولها “لا أريد رسم صورة قاتمة الآن، لكن الأمر يسير بوتيرة أسرع مما نتخيل، فمن خلاف ينشأ اشتباك بالأيدي، ومن اشتباك بالأيدي تنشأ أشياء لا نريدها جميعا”.
وربما يحمل تصريح ميركل هذا تهديدا بتوجه ألمانيا إلى إغلاق حدودها في حال اصرت هذه الدول على عدم إتباع ما سمته ميركل “أسلوب أشمل للتعامل مع أزمة اللاجئين، وهي أن التوزيع العادل للاجئين بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مسألة حيوية”. وفي حال أقدمت ألمانيا على هذه الخطوة، فإن أوروبا ستكون على موعد مع أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. وفي حين يستعبد مراقبون إقدام برلين على هذه الخطوة في المدى القريب، إلا أن إصرار بعض الدول الأوروبية على اعتماد سياسة مناهضة للجوء من جهة، وتزايد الضغط السياسي والشعبي على الحزب الحاكم في ألمانيا من جهة ثانية، قد يدفعان ميركل إلى اتخاذ قرارات صعبة. وتعول الحكومة الألمانية وبعض العواصم على تراجع حدة الهجرة خلال الأشهر المقبلة، مع تزايد حدة الشتاء، الأمر الذي قد يخفف من الأعباء على دول المرور، ويحد من حالة التوتر القائمة فيما بينها، ويعطي فرصة للاتحاد الأوروبي لاجتراح الحلول للحد من الهجرة، لكنه لا يضع حلا لأزمة التضامن السياسي الذي يعاني منه الاتحاد منذ نشأته.
سيريان تلغراف | حسين محمد