قال الرئيس السوري بشار الأسد إنه مستعد لخوض انتخابات رئاسية مبكرة وتعديل الدستور وإعلان انتخابات برلمانية، إذا ما أراد الشعب السوري ذلك.
الملفت للانتباه أن تصريح الأسد لم يأت نقلا عن وسائل إعلامية رسمية سورية، بل جاء نقلا عن ألكسندر يوشينكو عضو البرلمان الروسي عن الحزب الشيوعي الذي التقى، مع وفد برلماني روسي، الرئيس الأسد في دمشق.
وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) اكتفت بنقل كلام الأسد حول تقديره للمواقف الروسية الداعمة للشعب السوري، وأن القضاء على التنظيمات الإرهابية من شأنه أن يؤدي إلى الحل السياسي الذي يرضي الشعب ويحفظ سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها.
ثمة دلالتان سياسيتان من ذلك، إما أن التصريح لم يرَد له أن يتحول إلى موقف رسمي يبنى عليه، ويبقى ضمن إطار جس النبض أو بمثابة بالون سياسي، أو أن دمشق لم تتوصل بعد إلى قناعة جادة بتقديم تنازل سياسي حقيقي، وبالتالي يأتي تصريح الأسد ضمن إطار الأفكار العامة.
وإذا ما وضعنا تصريح الأسد مع تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس “لا يمكن لأطراف خارجية أن تحدد أي شيء للسوريين، ينبغي أن نجبرهم على أن يضعوا خطة لبلادهم، ويتعين عليهم الإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية”، فيمكن القول إن كلام الأسد جاء تلبية لطلب روسي جاد بضرورة اتخاذ دمشق خطوات سياسية ملموسة لتحريك سبل حل الأزمة.
ذلك أن تصريح لافروف يحمل أول دعوة رسمية روسية محددة وواضحة المطالب، بعكس المرات السابقة التي كانت موسكو تتحدث فيها عن ضرورة وجود عملية سياسية في سوريا، وأن جهدها العسكري غير منفصل عن جهودها السياسية.
بكل الأحوال، يشكل تصريح الأسد بحد ذاته تطورا مهما جدا، إذ أنه ولأول مرة يتحدث عن تفاصيل التسوية السياسية وإمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وانتخابات برلمانية، فضلا عن تعديل الدستور.
وليس صدفة أن يأتي كلام الأسد بعد أربعة أيام من زيارته التاريخية لموسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين، وبعد يومين من انعقاد مؤتمر فيينا الذي دعت إليه موسكو، وخرج بتفاهمات سياسية حول سوريا، حيث لا تستطيع دمشق اعتراض الجهود الروسية الكبيرة بعدما تحولت موسكو إلى منصة العمل السياسي الدولي حيال سوريا وبموافقة غربية.
الحل الروسي للأزمة السورية
بعد خمس سنوات من الأزمة السورية وفشل المجتمع الدولي في إيجاد حل سياسي لها، تبدو الجهود الروسية قاب قوسين أو أدنى من انضاج حل سياسي معقول يرضي معظم الفرقاء.
حتى الآن لا توجد تصريحات رسمية حيال اجتماع فيينا، لكن تسريبات لوسائل الإعلام من شخصيات مطلعة على المباحثات، معطوفة على تصريحات الوزراء الأربعة الذين شاركوا في الاجتماع، تؤكد أن تفاهما سياسيا يجري صياغته حيال سوريا مستوحى من بيان جنيف، ولكن بروح روسية، نتيجة التغيرات التي طرأت على الأوضاع في سوريا منذ إطلاق وثيقة جنيف في الثلاثين من حزيران / يونيو عام 2012.
ولعل قبول واشنطن طلب موسكو توسيع دائرة المناقشات لتشمل إيران وقطر والأردن ومصر، يؤكد أن النقاشات وصلت إلى مرحلة هامة، وتتطلب تفاهمات دولية وإقليمية واسعة.
يقوم الحل الروسي على قاعدة استراتيجية: لا يمكن إسقاط الأسد ومنظومة الحكم القائمة قبيل حصول تطورات على صعيد محاربة الإرهاب، وأن هدف المرحلة الانتقالية ليس تأمين شروط الانتقال السياسي فحسب، بل أيضا تأمين الشروط الميدانية.
وضمن هذا التصور، تدعم موسكو تشكيل هيئة حكم انتقالية ليست بالصيغة التي جاءت في بيان جنيف، والتي دعت إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، فالواقع السوري اليوم لا يستطيع تحمل مثل هذه الصيغة، ولذلك يرى صناع القرار الروس، أن الحل الأمثل هو تشكيل حكومة وحدة وطنية يتشارك فيها الطرفان ويكون رئيسها من المعارضة، وفق بعض التسريبات، ولها صلاحيات موسعة تتقاسمها مع صلاحيات الرئاسة التي سيقلص جزء منها.
وهنا تبرز مشكلة الصلاحيات حول المؤسستين الأقوى (الجيش، والأمن)، فبخلاف بيان جنيف الذي يجعل هاتين المؤسستين ضمن صلاحيات هيئة الحكم الانتقالية، وبخلاف ما تطالب به دمشق وطهران من بقاء هاتين المؤسستين ضمن صلاحيات الرئاسة، تتجه الأمور نحو حل وسط، إبقاء الجيش ضمن صلاحيات الرئاسة، في حين تخضع المؤسسة الأمنية لصلاحيات الحكومة، أي لوزارة الداخلية، مع إعادة هيكلة هذه المؤسسة.
وليست تصريحات موسكو باستعدادها دعم المعارضة الوطنية جوا بما في ذلك “الجيش الحر”، سوى محاولة لترتيب الأوضاع الميدانية وتشكيل قوى سورية تكون بديلا عن القوى الخارجية التي تقاتل في سوريا من كلا الطرفين، وهذا ما يفسر تصريحات لافروف حول “الجيش الحر”، وقبلها محاولات موسكو استمالة الأكراد لضم وحداتهم المقاتلة ضمن صفوف جيش سوري موحد، وقد بدت ملامح هذا التوجه قبل أسابيع مع بدء حل “قوات الدفاع الوطني” التي تحولت إلى نوع من الميليشيا.
أما مسألة مصير الأسد، فتبقى إلى انتهاء المرحلة الانتقالية التي لم يتم الاتفاق حول مدتها، ويبدو الطرح الروسي بحسب ما سرب هو الذي سُيعتمد، ذلك أن مطالب أنقرة والرياض بجعل الفترة الانتقالية لا تتجاوز ستة أشهر تبدو غير واقعية، بسبب الواقع السوري المعقد جدا، في حين يبدو الطرح الروسي معقولاً أكثر، فمرحلة انتقالية تمتد بين ستة أشهر وثمانية عشر شهرا أكثر موضوعية، ويمكن خلالها ترتيب البيت السوري الداخلي، تمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية بموجب الدستور الجديد، على أن تترك مسألة ترشح الأسد للانتخابات أو عدم ترشحه إلى حينها.
لكن ثمة أسئلة كثيرة تطرح حول هوية المعارضة التي ستشارك في هذه الصيغة مع وجود معارضات سورية كثيرة، ليس المقصود هنا الائتلاف الذي ما زال يرفض الحراك الروسي جملة وتفصيلا (بالرغم من إعلان ممثلي ما يعرف بالجيش السوري الحر استعدادهم للتفاوض مع روسيا في القاهرة)، وإنما معارضة الداخل التي تتألف أولا من قوى متماهية مع الحكومة السورية وتقبل ما يقبل به، وهي في الحقيقة صنيعة واضحة من دمشق، وثانيا من قوى لها موقف سياسي بضرورة تغيير نظام الحكم وبناء دولة ديمقراطية (هيئة التنسيق) وتجد نفسها قريبة من مواقف موسكو أكثر من قربها لدمشق.
سيريان تلغراف | حسين محمد