الخطط الموضوعة لسوريا كما لغيرها تشمل الإنسان أيضا، فالإنسان صار موضوعا قابلا للاستغلال مثله مثل النفط والغاز والطرق.
كتب وقيل الكثير حول خطط وأطماع تشكل الجانب الاقتصادي للمأساة السورية من الغاز السوري إلى أنابيب نقل الغاز الإيراني والقطري عبر سوريا، وصولا إلى الصفقات الكبرى التي تنتظرها كبريات الشركات لتقاسم الكعكة السورية عبر إعادة البناء، وكبريات البنوك لتكبيل البلد بأصفاد الديون، لكن الحديث دوما كان يدور بصورة مجردة لا مكان فيها للإنسان.
وأخيرا تبين أن الخطط الموضوعة لسوريا كما لغيرها تشمل الإنسان أيضا، فالمواطن السوري كذلك موضوع قابل للاستغلال مثله مثل النفط والغاز والطرق.
موقع الإنسان السوري في مخطط المصالح الغربية حدده رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، في مقال نشر في 7 أكتوبر 2015.
يتحدث كيم عن التجربة المؤلمة للاجئين الذين ينتقلون سيراً على الأقدام، وبالقطارات والقوارب والسيارات، إلى البلدان المجاورة، ثم إلى أوروبا، هرباً من وحشية لا نهاية لها.
لكنه يعتبر أنّ تدفق المهاجرين الشباب في سن العمل على بلد ترتفع فيه نسبة المسنّين يشكل مكسباً للجميع، ويؤكد أن أزمة اللاجئين اليوم بحاجة إلى ما هو أبعد من المساعدة الإنسانية، إنها بحاجة إلى “خطة إنمائية” تحدد وفقها البلدان المضيفة مسارات لمشاركة اللاجئين في الاقتصاد.
ويكمن التحدي، حسب رئيس البنك الدولي، أمام عدد من البلدان المتقدمة في إدارة التغيير، في الترحيب بالمهاجرين واللاجئين بخطة لتوطينهم، وتحويلهم إلى مواطنين. ويدعو للاقتداء بتركيا التي احتضنت أكبر عدد من اللاجئين، إذ سمحت لأكثرية اللاجئين المسجلين بالإقامة خارج المخيمات، ومنحتهم حرية الحركة والحماية من العودة القسرية، كما سمحت لهم بالحصول على الرعاية الصحية وبعض الخدمات التعليمية.
لكن، كيف أثر هذا في الاقتصاد التركي؟ يقول كيم إن السوريين الذين جاؤوا بأموال استثمروها في تركيا، ويشكلون 26 % من أنشطة الأعمال الجديدة المسجلة في تركيا عام 2014.
وأضاف أن معدلات الفقر تنخفض في المناطق التي تضم لاجئين سوريين مسجلين بوتيرة أسرع من المناطق الأخرى في البلاد.
لم يتحدث كيم عن سرقة القرن التي جرت في حلب لصالح تركيا، وكانت وزارة الخارجية السورية وجهت رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، تكشف فيها عن تعرض نحو ألف مصنع في مدينة حلب للسرقة والنقل إلى تركيا، بمعرفة تامة وتسهيل من الحكومة التركية، معتبرة أنه “عمل غير مشروع، يرقى إلى أفعال القرصنة، وبمرتبة عمل عدواني يستهدف السوريين في مصادر رزقهم وحياتهم الاقتصادية”.
ولم يتحدث عن الحفارات التي هرّبت وعن النفط الذي يبيعه “داعش” منذ سنوات، إضافة إلى تجارة الأسلحة الرائجة عبر تركيا.
هذا ما استغلته تركيا وحقق لها أرباحا، بينما ترى في اللاجئين عبئا ثقيلا تحاول التخلص منه، ويجب أن يعرف رئيس البنك الدولي أن اللاجئين القاصدين أوروبا في قوارب الموت هربوا في معظمهم من مخيمات اللجوء في تركيا، ولو كان أردوغان قدم لهم، كما يقول كيم، حدا أدنى من مقومات الحياة لما غامروا بحياتهم في عرض البحر.
لا يعرف رئيس البنك الدولي شيئا عن ويلات الحرب، ولم يذكر كلمة واحدة عن “داعش” أو أخواته، لا شيء عن ألوف القتلى، لا شيء عن ألوف المشردين، لا شيء عن الأطفال، عن أقلامهم .. كراريسهم أو عن دموعهم.
ملايين اللاجئين صاروا مجرد رقم في دفتر رئيس البنك. لغة الأرقام المجردة التي يتحدث بها رئيس البنك الدولي تعكس حقيقة موقف القيادات الغربية من أزمة اللجوء، ومن سبب هذه الأزمة، ويجب ألا يدهشنا تقييمه لرحلة اللاجئين التي يحرسها ملك الموت إلى الشمال على أنها “استراتيجية ذكية”، خصوصاً خلال هذه الفترات من النمو الاقتصادي العالمي المنخفض.
سيريان تلغراف