تستمر العملية الجوية الروسية في سوريا وسط تكهنات بالأسباب التي حملت موسكو على استهداف الإرهابيين هناك بصواريخ مجنحة قطعت 1500 كم قاصدة معاقل “داعش”.
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في اجتماع أعقب الضربة، أطلع الرئيس فلاديمير بوتين على توجيه سفن مجموعة بحر قزوين ضربة صاروخية لمواقع “داعش” و”جبهة النصرة” في سوريا بعد تنسيق مع إيران والعراق بشأن مسار الصواريخ التي عبرت أجواءهما.
ويجمع المراقبون على أن موسكو تنوي من وراء ضربتها البحرية هذه والتي صبت فيها حمم صواريخها على رؤوس الإرهابيين ومعاقلهم من حيث لم يعلموا، التأكيد على مضيها قدما في إشهار سلاحها، وأنها لن تتوانى عن رفعه في وجه أي جهة تتهددها، دفاعا عن مصالحها، وأينما كان منبع التهديد.
موسكو تؤكد من خلال الضربة أيضا، أنها لن تغرق في “المستنقع السوري” كما غاصت سابقا في “وحل أفغانستان”، وأنها لن تتورط بسقوط أي جندي لها خارج الحدود، خلافا لما ينذر به الغرب وحلفاؤه ممن لم يدركوا حتى الساعة حجم التحول الجاري في العالم، وما يفرزه من واقع جديد يرسم في الميدان. وتقول موسكو باستخدام الصواريخ البالستية فائقة الدقة، إنه تنعدم في وقتنا هذا الحاجة لتسيير الحملات العسكرية الجرارة، عندما يكون الهدف الدفاع عن المصالح الوطنية وحماية الأمن القومي. يكفي لتحقيق الأهداف التكتيكية والاستراتيجية والأمنية تسديد ضربات بعيدة المدى قد تأتي من الأرض أو البحر أو الجو.
والملفت في هذه الضربة، ولمن يتابع مجرياتها، هو أن مجموعة سفن بحر قزوين الروسية التي أطلقت الصواريخ تضم السفينتين الصاروخيتين “تتارستان” و”داغستان، اللتين تحملان اسم جمهوريتين روسيتين مسلمتين، وكأنما تريد روسيا في هذا تفنيد ما تعكف على ترويجه جيوش عرمرم من المحللين والسياسيين المؤمنين بأن موسكو بعمليتها في سوريا أرادت بالدرجة الأولى توجيه “رسالة داخلية الى جمهورياتها المسلمة”.
هؤلاء على ما يبدو لم يطلعوا على الصحافة الروسية، ولم يصغوا إلى تصريحات رؤساء وزعماء الجمهوريات الروسية المسلمة الذين أجمعوا على صواب قرار بلادهم، وعبروا عن تأييدهم المطلق لمجلس الاتحاد الروسي الذي لبى طلب الرئيس بوتين ومنحه تفويض استخدام القوات المسلحة خارج أراضي البلاد.
هم يقولون: موسكو تمادت ولا بد من ردعها، متجاهلين أنه لم يعد ممكننا، وأن واشنطن صارت تصرح لهم علانية بأنها لا تقوى لأجلهم على الصدام مع روسيا، فهل يفقهون؟
وأكثر ما أغاظهم، وقصم ظهر بعيرهم مباركة الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية العملية الجوية في سوريا حيث اعتبرتها حربا ترقى الى مستوى المقدسة لأنها شنت على الإرهاب، ودفاعا عن مسيحيي المشرق ووجودهم الأزلي في سوريا. هم اعتبروا العملية الجوية بعد هذه المباركة “حربا صليبية” صدها فرض كفاية، لا فرض عين على كل “مسلم”.
ووسط عاصفة العويل هذه أصدرت مجموعة من “رجال الدين والأكاديميين” السعوديين بيانا مشتركا نددوا فيه “بالتدخل الروسي في سوريا” وشبهوه بالحرب التي شنها الاتحاد السوفييتي في أفغانستان لدعم الشيوعيين آنذاك. ودعا الموقعون على البيان، والذين بلغ عددهم خمسة وخمسين، على ذمة BBC، دعوا فيه الجماعات الجهادية التي استهدفتها الطائرات الروسية إلى المرابطة والصمود، كما حثوا “القادرين” على “الالتحاق بركب الجهاد.”
العملية في سوريا مستمرة، وبطلب رسمي من القيادة الشرعية فيها، واستنادا الى القانون الدولي بعد انتظار من موسكو استمر أكثر من خمس سنوات، وها هي الطائرات والسفن الروسية تواصل ضرباتها بالتنسيق مع الجيش السوري لتحرز في غضون أيام على انطلاقها، وبإجماع الكثيرين، ما لم ينجزه التحالف الدولي والعربي بقيادة واشنطن طوال أكثر من عام وهو يلاحق تنظيم “داعش” بلا جدوى تذكر على الأرض، لتكون بذلك رسالة موسكو صريحة وواضحة لا لبس فيها.
سيريان تلغراف | صفوان أبو حلا