تتوالى إجراءات حلف الناتو ودول التحالف الأمريكي في سوريا والعراق للتصعيد العسكري عموما، وضد روسيا على وجه الخصوص، على أكثر من محور.
في الوقت الذي هدد فيه حلف الناتو بتقديم دعم عسكري، ونشر قواته في تركيا، بسبب ما أسماه الاختراق الممنهج لسلاح الجو الروسي، أعلنت بريطانيا أن وزراء دفاع حلف الناتو سيبحثون الوضع في أوروبا، وبالدرجة الأولى مواصلة تعزيز التواجد العسكري للحلف بالقرب من حدود روسيا. وقال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون إن بلاده تنوي إرسال قوات تابعة لها إلى دول البلطيق لإحباط استفزازات محتملة من جانب روسيا.
هذا إلى جانب الاستفزازات المتعمدة في أوكرانيا، ومغازلة الناتو لكييف من جهة، ووعود واشنطن بتقديم أسلحة حديثة إلى القوات الأوكرانية من جهة أخرى. وإثارة القلاقل كلما نجحت رباعية “نورماندي” في التوصل إلى شكل من أشكال التسوية للأزمة الأوكرانية.
الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف أعرب عن أسف موسكو لاقتراب البنية التحتية لحلف الناتو من الحدود الروسية، مشددا على أن هذا النهج للحلف سيثير حتما ردا روسيا. وكرر مجددا أن الخطط البريطانية لإرسال قوة عسكرية إلى دول البلطيق، ما هي إلا محاولة من الحلف للتستر على خططه التوسعية باتجاه حدود روسيا بالحديث عن خطر روسي وهمي.
الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا تسعى إلى دفع الأمور إلى مواجهات ليس مع داعش وأخواته، وإنما مع سلاح الجو الروسي، على أساس حملات إعلامية تحاول استنساخ تجارب سابقة، وتصوير ما يجري على أنه أفغانستان جديدة، وتوسيع مساحة التضليل عبر تصريحات لم تصدر أصلا. كل ذلك أدى إلى ظهور توجه خطير يتلخص في دعوات طائفية ومذهبية لا لمواجهة داعش والإرهاب، بل لمواجهة “عدوان روسي”. وبدأت دعوات من وسائل إعلام وشخصيات خليجية وقنوات فضائية إلى حشد قوى المسلمين لمواجهة “عدوان روسيا على الشعب السوري”، وهو ما يذكرنا بنفس الدعوات في أفغانستان والشيشان للحرب إلى جانب طالبان والقاعدة. كل ذلك دعا ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي إلى التعليق بأن “عناصر داعش خرجوا في مظاهرات يطالبون فيها بوقف القصف الروسي الكافر، وإعادة القصف الأمريكي المؤمن”!!
في الوقت الذي تدفع فيه دول الناتو، ودول التحالف الأمريكي إلى مواجهات غير محمودة العواقب، وترى أن التدخل الروسي في سوريا يهدد المنطقة، ويفسد الجهود لإقامة منطقة عازلة، حددت روسيا أمرين مهمين: الأول، منع دول التحالف من إقامة هذه المنطقة العازلة بالفعل، والثاني، أن كل الجهود الروسية في سوريا وفي المنطقة تهدف بالدرجة الأولى إلى المفاوضات السياسية لتسوية الأزمة السورية.
وإذا تحدثنا بلغة المصالح، فروسيا، إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، لها مصالح مثل بقية دول العالم، وبالذات الدول الأربع الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، وأيضا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا. غير أن هذه الدول لا ترى أن لروسيا أي حق في أي مصالح، في محاولة غير منطقية لاستبعاد موسكو من أي تسويات، على الرغم من دعوات الكرملين والخارجية ووزارة الدفاع الروسية إلى ضرورة التنسيق في مواجهة داعش، ولكي لا يقع أي صدام بين القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط عموما، وفي سوريا على وجه الخصوص. ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها مصممون على أن تنضم روسيا إلى التحالف بشروطهم هم.
سيريان تلغراف | أشرف الصباغ