سارعت واشنطن إلى التشكيك في أهداف العمليات العسكرية الروسية في سوريا منذ اللحظات الأولى لانطلاقها، وانبرت لاحقا لانتقادها والتعبير عن انزعاجها بمختلف الذرائع وكيفما اتفق.
لم تستسغ واشنطن كعادتها وجود شركاء مستقلين في الساحات التي تتواجد بها، ولذلك لم ترض عن الدور الروسي في سوريا على الرغم من أن الهدف هو العدو نفسه الذي تقاتله الولايات المتحدة عبر غارات الائتلاف الدولي الضخم الذي تقوده هناك منذ أكثر من عام.
دخلت روسيا إلى ميدان القتال ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا، ما أزعج الولايات المتحدة وخططها الخاصة في المنطقة، ووتيرة عملياتها التي تحرص على المحافظة على إيقاعها بحسب مصالحها الغامضة.
عمليات واشنطن وحلفائها العسكرية تجري في رقعة جغرافية محددة، وتستخدم فيها أحدث الطائرات والصواريخ وتقنيات الرصد، ومع ذلك لا نتائج لها ولا أفق، كما لو أنها لعبة الكترونية في واقع افتراضي.
آخر التصريحات الأمريكية المعادية للعمليات العسكرية الروسي في سوريا، تحدثت عن أن أكثر من 90 % من الغارات الجوية الروسية لا تستهدف تنظيم “داعش” أو تنظيمات إرهابية أخرى، بل تستهدف فصائل عسكرية معارضة معتدلة.
وهكذا تمكنت الخارجية الأمريكية في هذا التصريح من الخروج بنتيجة إجمالية محددة للغارات الجوية الروسية، لكنها لم توضح ما هي الفصائل المعارضة المعتدلة ولا مواقعها من خارطة العمليات الروسية المعلنة رسميا.
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أبدى شكوكه حيال العمليات العسكرية الروسية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا منذ أولى غاراتها الجوية، إذا أعرب أمام مجلس الأمن عن “قلقه البالغ” إذا لم تستهدف الضربات الروسية تنظيمي “الدولة الإسلامية” والقاعدة، وهذا في حد ذاته يعكس ريبة هذا الموقف والتقييمات اللاحقة المشابهة.
وكشفت في هذا الصدد المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا مؤخرا أن بلادها لم تتلق أي إجابة عن سؤال وجهه وزير الخارجية سيرغي لافروف لنظيره الأمريكي عن أماكن وجود المعارضة المعتدلة في سورية وماهية الجيش الحر.
واللافت أيضا أن المسؤولين الأمريكيين ذكروا في تصريحاتهم المعادية للغارات الجوية الروسية في سوريا تنظيم القاعدة متجاهلين تماما الحديث عن جبهة النصرة التي تمثله هناك.
وكانت الولايات المتحدة أدرجت جبهة النصرة في قائمة المنظمات الإرهابية نهاية عام 2012، إلا أن بعض الدول الخليجية حاولت استمالتها في الحرب ضد دمشق من خلال تأسيس ما يسمى بجيش الفتح الذي يضم فصائل إسلامية متعددة، إلا أن قوامها الأساس مسلحو الجبهة المرتبطة عقائديا وعمليا بتنظيم القاعدة.
كما أن الموقف الأمريكي حيال جبهة النصرة يبدو متناقضا وضبابيا، إذا دعا الجنرال ديفيد بترايوس المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بلاده في سبتمبر الماضي إلى الاستعانة “ببعض مقاتلي” جبهة النصرة في قتال داعش، فيما كانت واشنطن وجهت في أولى غاراتها في سوريا ضربات عنيفة ضد مواقع لجبهة النصرة وتنظيم خرسان المرتبط بها وبالقاعدة.
الولايات المتحدة لم تستطع حتى الآن تقديم تفسير منطقي لعدم تحقيق ضرباتها وحلفائها ضد مواقع تنظيم “الدولة الاسلامية” في المنطقة أي نتائج بعد عام من بدئها، ومع ذلك وصف البيت الأبيض الغارات الجوية الروسية بأنها “عشوائية” قبل أن ينقشع غبارها.
كل ذلك يثير تساؤلات عن المقاصد الأمريكية الحقيقية من حربها في سوريا، خاصة وأن البيت الأبيض يصر على موقف يقول إن القضاء على داعش غير ممكن مع وجود الأسد، بل وبات أكثر صعوبة، بحسب واشنطن، مع الضربات الجوية الروسية، ما يستقيم والمثل القائل “يكاد المريب أن يقول خذوني”!
سيريان تلغراف | محمد الطاهر