الغارات الروسية في سوريا أظهرت كيف يمكن إحراز النجاح في معركة حقيقية مع الإرهابيين في بضعة أيام.
فقد دمرت الطائرات الروسية منذ 30 أيلول/سبتمبر الماضي العشرات من مواقع البنى التحتية للإرهابيين: نقاط القيادة، ومخازن الذخيرة، ومراكز الإشارة، وورش صنع متفجرات الإرهابيين- الانتحاريين ومعسكرات إعداد المقاتلين. وبنتيجة الأمر، وكما يقول العسكريون، “تسنى تقويض قاعدة الإرهابيين التقنية-المادية، وإضعاف قدراتهم القتالية بشكل ملموس”، وبدأ الذعر يدب في صفوفهم وأخذوا يهربون من ميدان المعارك.
في المقابل، وبدءا من شهر أيلول/سبتمبر من عام 2014، شنت قوات الناتو الجوية وعلى رأسها البنتاغون أكثر من 7000 غارة بغرض القضاء على البنى التحتية لتنظيم “داعش”، لكن الجنرالات الأمريكيين وبعد عام كامل من القصف الجوي لم يحرزوا نجاحا له قيمة على الجبهة السورية، حيث لم يواجه الإرهابيون صعوبات في الاستيلاء على مناطق جديدة يوما بعد يوم في العراق وسوريا. وهذه المعطيات أوردها تقرير للكونغرس الأمريكي قبل يوم واحد من إعلان موسكو عن بدء العملية الجوية في سماء سوريا.
ويؤكد الخبراء العسكريون أن الطائرات لم تقصف مواقع إرهابيي “داعش” بقدر ما ساعدتهم في صراعهم الدموي مع السلطة القائمة في دمشق، وإلا لكان من الممكن وبهذا العدد الضخم من الغارات الغربية القضاء بكل سهولة على هذا التنظيم الإرهابي.
وبالتالي، يبقى خياران، حسب هؤلاء المحللين: إما أن طائرات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كانت تساعد الإرهابيين في صراعهم مع عدو الغرب اللدود الرئيس السوري بشار الأشد، أو أن جنرالات القوات الجوية في أوروبا وأمريكا أظهروا استهتارا واضحا بواجباتهم، وأظهر طياروهم إعدادا مهنيا ضعيفا.
وإضافة لذلك، نجد أحيانا في الصحافة الغربية تلميحات إلى أن مشاركة العسكريين الأمريكيين والأوروبيين في الأزمة السورية هو “بيزنس” مربح، لا يريد “المناضلون” من أجل الديمقراطية في بلدان الغير إنهاءها بسرعة لأنهم ينفقون هناك نقودا كبيرة من الميزانية لا ينفقونها في بلادهم. وتزداد مطالبهم بتوريد أسلحة وتقنيات عسكرية جديدة إلى ميدان المعارك (والتي تقع أحيانا في أيدي المقاتلين). ولا يستبعد الخبراء وجود لوبي ضخم في الولايات المتحدة، يجني أموالا كبيرة على حساب “المخصصات” الضخمة التي تنفق على العملية الحربية في سوريا، ولا سيما أن الدول الأوروبية تشارك في تمويلها.
لهذه الأسباب ولغيرها لم تستطع واشنطن تسوية النزاعات الأخرى في العراق وأفغانستان وليبيا. وعزز تدخل الأمريكيين الفوضى في هذه البلدان، ما أوصلها إلى التفكك والانهيار. و”أصبح واضحا أن الغرب لن يستطيع حل الأزمة في الشرق الأوسط” كما تكتب الصحيفة الألمانية “هاندلسبلات”. وكان مجبرا على الاستكانة لخطوات موسكو الحازمة، والتي جاءت في الوقت المناسب.
ومن المهم جدا الآن أن لا يحاول حلفاء الولايات المتحدة (وبخاصة في المنطقة) وضع العصي في العجلات الروسية الدائرة، وألا يحاولوا المزايدة بشكل خاص على العامل الديني، والقول إن موسكو “تغزو أرض الإسلام”، وأنها تريد مواجهة الدول الإسلامية، لأن من يحارب ضد الإسلام في سوريا هم إيديولوجيو ومقاتلو “الدولة الإسلامية”، الذين يشوهون الدين الحنيف. أما روسيا فهي تحارب ضد الإرهابيين، الذين لا دين لهم ولا قومية، وتدافع في سوريا عن المسلمين ولا تفرق بين شيعي وسني، وتدافع كذلك عن المسيحيين وممثلي الديانات الأخرى.
سيريان تلغراف | حبيب فوعاني