نشرت صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس ” مقالا بعنوان “علام يتفق بوتين وأوباما: سوريا، القرم،”داعش” جاء فيه:
ما الذي سيتناوله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي باراك أوباما في اللقاء المغلق الذي سيُعقد بين الزعيمين في أثناء انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ؟ حتى الأمس القريب بدا اللقاء بين الرئيسين أشبه بضرب من الخيال، وذلك بسبب الخلافات القائمة بين بلدينا. فثمة عُرف سياسي هام يتمثل في أن اللقاءات لا تُعقد بين الرؤساء إلا إذا كان هناك شيء ما يمكن الاتفاق عليه. وما عدا ذلك لا تتجاوز اللقاءات إطار التقاط الصور البروتوكولية. أما في هذه المرة فكان القرار بالجلوس والحوار حاسماً، حتى أن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أعلن تاريخ اللقاء – 28 سبتمبر/أيلول الجاري، دون تحديد الملفات التي سيتم طرحها على طاولة المباحثات. وقد توجهت “موسكوفسكي كومسوموليتس” إلى المحللين السياسيين الروس البارزين لأجل “استكمال عمل دميتري بيسكوف” في التعرف على تلك الملفات.
أليكسي موخين، مدير مركز المعلومات السياسية في موسكو:
– من المرجح أن يكون هدف اللقاء الرئيسي هو التأكيد على إمكانية المصافحة والتربيت على الكتف. وهذا بحد ذاته مؤشر جيد. لكن الأمر يكمن في أنْ ليس في جعبة أي من الرئيسين شيء محدد يقوله للآخر كما هو الحال حتى الآن. فروسيا قطعت الطريق على أمريكا في سوريا، ولم يكن رفض السفير الأمريكي لدى روسيا ضرورة اللقاء أمراً من قبيل الصدفة. فالولايات المتحدة تواجه محنة في شمال افريقيا والشرق الأوسط، وكل ما بإمكان بوتين قوله، إذا أراد ذلك، لن يكون من دواعي سرور الرئيس الأمريكي باراك أوباما أبداً. ومع ذلك فإن واشنطن مرغمة اليوم على إظهار التقارب مع موسكو، من خلال زر “”إعادة تشغيل” العلاقات الروسية – الامريكية” التي بادرت إليها واشنطن قبل 7 سنوات، بما حملته من زلة فرويدية. أمريكا مضطرة إلى التظاهر بأن التنسيق مع روسيا بدأ يعود إلى سابق عهده.
لقد اختارت روسيا طرازاً جديداً لنهجها في سوريا، وهو نهج يعزز نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهو لا يروق للولايات المتحدة. ولكن أمريكا عاجزة قانونياً عن وضع عراقيل تعيق الدور الذي تلعبه روسيا في سوريا. ولن يطالب أوباما في أثناء المباحثات مع بوتين بأن يوقف الأخير عملياته في سوريا، لأنْ لا معنى لمطالب كهذه. فالرئيس الروسي لن يرضخ لنظيره الأمريكي، علاوة على أن مطالب كهذه ستؤدي إلى إحراج الجميع.*2 لذلك لن يتم اقتراح صيغة اتفاق كهذا.
– وما الذي تفعله روسيا في سوريا ؟ لم يتم توضيح ذلك كما يجب لا من قِبل إعلامنا، ولا حتى من قبل الإعلام الغربي..
– عدم توضيح ذلك أمر متعمد. فما الدافع إلى قول الحقيقة للناس ؟ الأمر يتعلق بكون روسيا تعتزم أن تعزز نظام بشار الأسد ولكن بحذر وعلى مراحل وبناء على طلب رسمي من السلطة الرسمية في سوريا.*3 فليس هناك إدخال للقوات الروسية إلى سوريا وكل شيء هنا قانوني. لذلك يصعب على أمريكا معارضة السياسة الروسية، لا سيما أن واشنطن اتخذت في سوريا إجراءات بناءً على تفويض مشكوك فيه أكثر بكثير.
– وهل تبدو المسائل المتعلقة بالقرم وبجنوب شرق أوكرانيا هامشية على خلفية القضية السورية ؟
– مع كل ما يحمله الأمر من أسف لكييف يمكن القول إن المسائل المتعلقة بالقرم وبجنوب شرق أوكرانيا بشكل عام سقطت تماماً من جدول المباحثات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية: فلا وقت لها، وما من داعٍ وثمة تثاقل وكسل.
إيغر بونين، رئيس مركز التكنولوجيات السياسية:
أمام الرئيسين الروسي والأمريكي ملفان فقط.. سوريا وأوكرانيا، لا إلتون جون بطبيعة الحال. وقد ظهرت معلومات تفيد بمشاركة طيارين روس في قصف مواقع لتنظيم “داعش”. لن أخوض في تقييم مدى صحة هذه المعلومة، لكن ترسخ إحساس لدى الرأي الأمريكي العام بأن روسيا تساهم بنشاط في التصدي لهذا التنظيم. ووفقاً لوجهة النظر الشعبية والرسمية في أمريكا في الظرف الراهن تشكل “داعش” على وجه التحديد التهديد الأكبر للنظام العالمي. وكان أوباما قد وضع “داعش” في المركز الثالث من حيث الخطورة بعد فلاديمير بوتين ووباء تفشى مؤخرا. لكن الوضع مختلف الآن. فبوتين يتحول من عدو رئيس إلى حليف محتمل. هذه هي وجهة النظر الأمريكية.
لنلق نظرة على الأمر الآن من زاويتنا نحن. فقد تحول بوتين بعد أزمة القرم إلى ما يشبه منبوذاً سياسياً، إلا انه نجح مجدداً وفي الآونة الأخيرة بفرض نفسه كقائد لا بد من التواصل والتفاوض معه. وتسعى إلى ذلك دول ذات أكثرية سنية، بالإضافة إلى إسرائيل وممثلي فلسطين وتركيا. وقد أصبح جلياً في أمريكا أن مقاطعة السلطة الروسية أمر غير ملائم، كما أنهم بحاجة إلى الإجابة عمّا يريده بوتين في سوريا ؟ يطرح العديد من الاحتمالات في هذا الصدد، على غرار: ما الهدف الذي يدفعه إلى الإبقاء على سلطة بشار الأسد، ولمَ سعيه إلى الاحتفاظ بالقواعد العسكرية هناك، واحتمال ثالث هو أن بوتين يعمل عل تغيير أجندته كالانتقال من فكرته القديمة حول بعث العالم الروسي مجدداً والعودة إلى صفوف الثمانية التي تحكم العالم أجمع.
حتى وقت قريب بدا الاحتمال الثالث غير قابل للحياة. ولكن قبول أوباما لقاء بوتين يشير إلى وجود فرصة ما وإن كانت ضئيلة. أما موافقة بوتين على انسحاب جزئي من أوكرانيا، وتجميد الوضع في الـ “دونباص” فيوحي باستعداده إلى الوصول إلى حل وسط، ومحاولة نقل بلدنا من موقع المنبوذ سياسياً بين الدول إلى دولة يمكن الدخول في مفاوضات معها.
بفضل سوريا يصرف بوتين أنظار الغرب عن القرم والـ”دونباص” ؟
– يتم الإعداد لاجتماع في باريس في إطار اتفاقية مينسك. ولن تتمكن روسيا من العودة بشكل نهائي إلى الساحة الدولية قبل أن تحل المشكلة الأوكرانية. ولكن يبدو سعي روسيا إلى حل هذه المشكلة واضحاً. تابعوا التلفزيون وشريط الأخبار، لا يكاد يكون هناك ذكر لأوكرانيا، فقد اختفت كل الهيستريا حول “القطاع اليميني” الذي تعالت أصوات حتى زمن قريب تطالب بالتصدي له. كل شيء توقف واندثر كالهباء.
تدير روسيا لعبة دبلوماسية بهدف العودة إلى منظومة الدول التي يمكن التحاور معها، ولكن من ضمن خياراتنا وأن يكون القرم ضمن حدود روسيا. وقد اصطدم أوباما بمشكلة أنه لن ينجح في القضاء على “داعش” من دون روسيا، ما يعني أن المقايضة مع روسيا أصبحت مناسبة الآن، بما في ذلك حول المد بعمر الأسد سياسياً ولو إلى حين، وكذلك الأمر بشأن المناطق التي يفرض العلويون عليها سيطرتهم وبشأن أمور ثانوية مرتبطة بأوكرانيا. بفضل هذه اللعبة الدبلوماسية المعقدة يحظى فلاديمير بوتين الآن بفرصة أكبر لتحقيق قدر ممكن من المكاسب.
سيريان تلغراف