على الرغم من الأنباء المتفائلة بشأن إمكانية حدوث تقارب عملي بين موسكو وواشنطن بشأن الأزمة السورية، إلا أن الولايات المتحدة والناتو يواصلان خلط الأوراق في أوكرانيا وأوروبا.
في الفترة الأخيرة، تولد انطباع إيجابي لدى الرأي العام العالمي، وفي الأوساط السياسية والدبلوماسية، بإمكانية وقف المزيد من إراقة الدماء والدمار في سوريا من جهة، ومواجهة داعش من جهة أخرى، وفتح الآفاق أمام تسوية سياسية للأزمة السورية من جهة ثالثة. غير أن التحركات الأمريكية المريبة، والتفسيرات غير المنطقية، سواء للاتفاقيات أو حتى للتصريحات السياسية، بدأت تلقي بعض ظلال الشك على إمكانية تحقيق خطوات عملية سريعة لوقف نزيف الدم في سوريا، ومحاصرة مأساة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أوروبا، وما سينتج عن ذلك من مآس أخرى.
وزارة الخارجية الروسية أعلنت أن واشنطن يجب ألا تقترح تغيير الحكم في سوريا في حال تمسكها ببيان جنيف. ما يعني أن واشنطن أعلنت شيئا، وتطرح شيئا آخر، أو ستطرح أشياء أخرى خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة. الأمر الذي يضع كل التصريحات والإعلانات عن النوايا الطيبة في دائرة الشك.
موسكو ترى أن السوريين هم الذين يجب أن يقرروا مستقبل سوريا، وأن واشنطن في حال طرحها الخطط لتغيير السلطة يجب أن تسحب توقيعها من بيان جنيف. بل وتواصل تأكيداتها بأنها لا تناقش التغييرات السياسية في سوريا مع غيرها من الدول. ومع ذلك تنظر بتفاؤل إلى إمكانية توحيد الجهود لمكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي وتسوية الأزمة السورية، مع تحذيرات مبطنة بأن الفشل في توحيد الجهود في هذا المجال يهدد بوقوع كارثة حقيقية.
رغم كل ذلك، يبدو أن واشنطن وبروكسل لا تستطيعان كبح جماح حالة “النهم” التوسعي، أو إيقاف عجلة السيناريوهات التي تدفع بالعالم إلى كارثة حقيقية على خلفية الأزمات الاقتصادية والأمنية من جهة، وجحافل المشردين والنازحين واللاجئين في مختلف المناطق الساخنة الذين يفرون من هول الحروب والكوارث والإرهاب.
إن الولايات المتحدة ببساطة بدأت تلتف على الاتفاقيات المبرمة مع روسيا وتسعى لزعزعة التوازن الاستراتيجي في أوروبا، تمهيدا لإجراءات تالية في ملفات أمنية وجيوسياسية لاحقة. وهي تستعد الأن لنشر قنابل نووية جديدة من فئة “بي61-12” بإحدى القواعد الجوية في ألمانيا. وهو الأمر الذي يثير قلق ليس روسيا فقط، بل والرأي العام الأوروبي الذي بدأ يبدي إنزعاجه من التسلط الأمريكي وتعريض أمن القارة للخطر.
الخارجية الروسية أعربت عن قلقها من خطط الولايات المتحدة بهذا الصدد. وأعلنت أن روسيا قلصت في تسعينيات القرن العشرين ترساناتها النووية غير الاستراتيجية بمقدار 4 أضعاف. بينما بقي في ألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وتركيا وسائط نووية تكتيكية أمريكية. والآن يقوم الأمريكيون بتحديث قنابلهم النووية الجوية، ويطور الأعضاء الأوروبيون في حلف الناتو الطائرات التي تحمل مثل هذه الأسلحة.
ملاحظات موسكو مهمة وخطيرة لأنه من أجل ضمان الأمن والاستقرار في أوروبا لا بد من إعادة الأسلحة النووية غير الاستراتيجية إلى الأراضي الوطنية وحظر نشرها في الخارج، بل وتدمير البنية التحتية الخارجية لكي لا تفتح أبوابها لمثل هذه الأسلحة، والتوقف عن تدريب أفراد قوات الدول غير النووية على استخدام مثل هذه الأسلحة أيضا.
وفي الوقت الذي تزعزع فيه الولايات المتحدة التوازن الاستراتيجي في أوروبا، يعلن أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ عن استعداد الحلف لبحث مسألة تقديم المساعدة في إعادة بناء القوات البحرية في أوكرانيا. بل وأكد أنه “يوجد بين أوكرانيا والناتو مجال واسع من التعاون في المجالات المختلفة. ونحن نملك اليوم تعاونا في مجال القيادة والسيطرة والخدمات اللوجستية والأمن الإلكتروني وفك الألغام. وأن رسالة الناتو الآن هي تقديم دعم عملي لأوكرانيا”.
هذه التصريحات وإن كانت لا تتعجل ضم أوكرانيا إلى الناتو، إلا أن مجموعة كييف التي تحكم أوكرانيا حاليا تتعجل هذا الأمر حتى لو كان الثمن هو هدم أوكرانيا وإشعال النار بين مواطنيها. ولذلك حذرت موسكو مجددا من هذه التحركات غير المسؤولة. وأعلن الكرملين أن أي تقدم لحلف الناتو نحو الحدود الروسية سيواجه بتدابير مضادة من قبل موسكو، وذلك من أجل ضمان الأمن القومي للبلاد. وحذر من أن مثل هذه الإجراءات، التي أعلنها سابقا بعض ممثلي القيادة الأوكرانية في كييف، لن تجلب سوى الندم.
سيريان تلغراف | أشرف الصباغ