لم يكلف متصيدو الإثارة، أنفسهم عناء التأكد من حقيقة الشريط الذي انتشر بسرعة البرق؛للتشويش على المباحثات الروسية-السعودية.
فقد أهمل المغرضون؛ كل المهم في المؤتمر الصحفي المشترك لوزير الخارجية الروسية مع نظيره السعودي في موسكو،الثلاثاء 11اب/اغسطس الجاري؛وأفردوا مساحة كبيرة لشريط مجتزأ لا يتجاوز السبع ثواني من الموتمر؛يظهر سيرغي لافروف متمتما بعبارة توحى وكأنه متضايق. ولم يلتفت الى المشهد كل الصحفيين في قاعة المؤتمر لأنهم كانوا يركزون على المفيد،ولم يضيعوا الوقت في قراءة الشفاة.
سفير واشنطن السابق في موسكو، مايكل ماكفول، من بين أوائل المصفقين “لنظرية المؤامرة” مغردا على توتير بان لافروف عبر عن الانزعاج من أقوال الضيف السعودي!! يذكر ان البروفيسور ماكفول أنهى حياته الدبلوماسية بالاستقالة من منصب السفير في روسيا الاتحادية صيف العام الماضي،بعد ان وصلت العلاقات الروسية-الامريكية الى اسوء حالاتها خلال عامي خدمته القصيرة نسبيا . خرق خلالها السفير، العرف الدبلوماسي مرارا وتكرارا باتصالاته مع رموز المعارضة ذات الميول الامريكية في روسيا.
وأكدت تصرفات ماكفول ما ذهبت اليه بعض الدوائر الروسية المختصة بان تعينه سفيرا لدى روسيا عام 2012،وهو المعروف بخبرته في إشعال ” الثورات الملونة” يعني ان الدكتور ماكفول الناطق بالروسية، ومستشار الأمن السابق في الادارة الامريكية، سيجرب مهاراته باستخدام المعارضة الروسية التي كان يلج ابوابها بترحاب.
وربما يعلم السفير ماكفول اكثر من غيره ان لافروف لن يتردد عن اشهار الرأي؛ علنا وليس همسا اذا شاء . فقد صرح في احد المؤتمرات الصحفية الكثيرة مع نظيره الأميركي جون كيري ” جون!! انك تطنب في الحديث وهذا ليس في الدبلوماسية من شي وتضيع وقتنا ووقت الحاضرين بتفاصيل لا لزوم لها” !! ومرة جاهر برفضه قرار الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي انان الذي حظر التدخين في اروقة المبنى الزجاجي بنيويورك مصرحا ” ليس هذا بيتك بل بيتنا نحن دافعي ميزانية المنظمة”!وغيرها من الحوادث التي لم تؤثر على لمعان الدبلوماسي المحترف . و تنم عن انه لا يخشى في الحق لومة لائم.
لقد تحدث الوزيران لافروف والجبير بوضوح، وعبرا بشفافية عن التطابق والتجانس والتقارب .. وعن التباين في المواقف ايضا.وإذا كان الوزير وجه ملاحظة الى المترجمين؛ مترجم وزارة الخارجية الروسية، ومترجم السفارة السعودية لانها كانا يتباريانفي” تغليط”بعضهما الاخر، فان اول من فهم التمتمة؛ الضيف السعودي رغم انه لا يعرف الروسية. اما متصيدو الإثارة فقد وجدوا في الثواني السبع مادة للتشويش على نتائج المباحثات الروسية-السعودية الناجحة كما شدد الوزيران .
و يبدو لمن يراقب الحركة الدبلوماسية النشطة بين موسكو وابرز العواصم العربية وايران،عدا عن الاتصالات الروسية الامريكية المتواترة، ان طبخة تعد على نار هادئة، يحرص الروس على اخفاء بعضا من تفاصيلها كي لا يفسدها المتطفلون، ولا يعكر صفوها المتصيدون. وتعلن موسكو عن اغلب الاتصالات وعن مضمونها فيما يتعلق بالتسوية السورية. وتتستر على جوانب منها؛؛المخفي الذي اصبح معروفا ان موسكو أقنعت الرياض باستقبال الرجل رقم واحد في اجهزة الأمن السورية على مملوك والاستماع الى الموقف الرسمي لدمشق دون وسطاء.
ووفقا لمصدر دبلوماسي في العاصمة الروسية فان السعوديين، أبدوا استعدادا للتعاون الى ابعد الحدود في محاربة التنظيمات الإرهابية؛ فيما لو انسحب من سوريا مقاتلو حزب الله والمستشارون والعسكريون الايرانيون ومعهم يخرج المسلحون القادمون من العراق ومن أفغانستان وغيرهم. ووفقا للمصدر فان مملوك رفض العرض السعودي وانتهت المحاولة للجمع بين الأضداد الى الفشل.
واصاب الفشل الاستخباري بعدواه، المحاولة السياسية للجمع بين وزيري خارجية ايران والسعودية في موسكو خلال زيارة الوزير عادل الجبير يوم 11 الجاري. و تقضي المبادرة بان يقدم الوزير محمد ظريف زيارته المقررة الى موسكو في السابع عشر من الشهر الجاري الى العاشر منه، كي تتزامن مع مباحثات الجبير. المقترح الروسي لم تعارضه الرياض. لكن القيادة السعودية امتعضت من تسريب دمشق لخبر زيارة مملوك الى جدة؛ الامر الذي كانت الرياض تحرص على سريته كي لا يساء فهم موقف السعودية من قبل الشركاء في مجلس التعاون لبدان الخليج العربية. وفسد الطبخ؛ لان المقترح الروسي كان يريد لقاء ظريف مع الجبير؛ بعيداعن الاضواء وفي جلسة خالية من التوابل !تراجع السعوديون لانهم لا يضمنون التسريبات من الجانب الاخر.
ووجد الجبير نفسه مضطرا لان يشدد في جولته الأوربية وأثناء زيارته الى موسكو على ان موقف الرياض من الوضع في سوريا لم يتغير، وان لا مكان للاسد في مستقبلها. تصريحات موجهة أصلا لحلفاء الرياض وللمعارضة السورية. ويلفت المصدر الدبلوماسي الى ان روسيا لا تناقش مع ضيوفها العرب،وغير العرب، مصير الرئيس السوري .
وتؤكد لهم دوما ومنذ بدء الأزمة ان هذا شان سوري لا دخل لنا او لغيرنا فيه. ويقول المصدر إن من يتحدث عن خلاف او تباين في الموقف من مصير الرئيس بشار الأسد، إنما يختلق تباينا غير موجود أصلا.
لن يكتمل شهر أب/ اغسطس الجاري،حتى تكون موسكو استقبلت ثلاثة من القادة العرب؛ العاهل الأردني، ورئيس دولة الإمارات العربية، والرئيس المصري. وفي القمم الثلاث مع الرئيس فلاديمير بوتين سيكون الملف السوري حاضرا على راس جدول الاعمال. كما يكونه في الزيارات المنتظرة للعاهل المغربي وملك السعودية وامير الكويت وامير قطر اللذين سيتوافدون على موسكو قبل ان ينصرم العام.
الدبلوماسية الروسية الهادئة، قد لا ترضي من يبحث عن حل عاجل للمأساة السورية التي اودت بحياة عشرات الألوف وشردت الملايين،وهؤلاء محقون.لكن دبلوماسيا معنيا بالملف مباشرة، يعبر عن الاسى والأسف ويقول بان العامل المشترك الوحيد بين النظام في سوريا ومعارضيه هو الانتحار. ليس اكثر! ويضيف؛ بدون ان يتنازل الفرقاء وفق مبدأ هات وخذ فقد تنقضي أعوام دون بلوغ الحل وعودة الحياة الى بلد يتخرب كل ساعة .
سيريان تلغراف | سلام مسافر