لم تعد موسكو قبلة كبار المسؤولين والدبلوماسيين العرب في الفترة الأخيرة فقط، بل أصبحت أيضا مركزا للقاءات مختلف فصائل المعارضة السورية.
فالساحة السياسية الروسية تشهد لقاءات سياسية واستشارية مع 3 وفود من “الائتلاف الوطني السوري”، و”لجنة المتابعة لمؤتمر القاهرة – 2″، و”حزب الاتحاد الديمقراطي”، ما يعكس طبيعة مبادرات موسكو بشأن التسوية السياسية للأزمة السورية.
إن مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتشكيل تحالف لوجستي واسع في مواجهة الإرهاب الدولي، وعلى رأسه تنظيم “داعش”، ينطلق من قاعدة التعاون الأمني والاستخباراتي الوثيق، بعيدا عن المعايير المزدوجة، ويرتكز إلى أسس ومبادئ واضحة لتفادي أي نوع من أنواع التدخل في شؤون الدول أو المساس بسيادتها ووحدة أراضيها أو تغيير أنظمتها الحاكمة بطرق غير شرعية.
لقد كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن “موسكو تتلقى خلال اتصالاتها مع دول المنطقة التي تربطها بها علاقات طيبة جدا، إشارات تدل على استعداد تلك الدول للإسهام بقسطها في مواجهة الشر الذي يمثله “داعش”. وأوضح أن ذلك “يتعلق بتركيا والأردن والسعودية”. وأكد أن “موسكو مستعدة لدعم دمشق إذا اتجهت الأخيرة إلى الدخول في حلف مع دول أخرى في المنطقة، بما فيها تركيا والأردن والسعودية، لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي. وأقر بوتين بأن تشكيل مثل هذا الحلف يعد مهمة صعبة التنفيذ، نظرا للخلافات والمشاكل التي شابت العلاقات بين الدول. و”مهمة صعبة” ترجمها المعلم بأنها “معجزة”.
إن المبادرات الروسية في عمومها ذهبت إلى ضرورة تشكيل تلك الجبهة الدولية الموحدة لمكافحة الإرهاب، وتجاوزتها إلى لم شمل كافة القوى والتيارات لمواجهة خطر ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي أصبح يهدد الجميع بدون أي استثناءات. وإذا كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد أعلن عقب مباحثاته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بأن هذا الطرح يمثل “معجزة”، فهو بالفعل، يمثل “معجزة” حقيقية، تترجم الآن على الساحة السياسية الروسية على الرغم من الخلافات بشأن “مصير الرئيس السوري بشار الأسد”. وهو ما نراه في موقفي كل من السعودية وتركيا. بينما الولايات المتحدة لا تزال تضع العوائق أمام أي مبادرات لمكافحة الإرهاب.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعلن بعد لقاء مع نظيره الأمريكي جون كيري أن موسكو وواشنطن اتفقتا على توحيد الجهود في مكافحة “داعش”، لكنهما لم تتوصلا بعد إلى مقاربة مشتركة في هذا المجال، نظرا للخلافات القائمة بين مختلف المعنيين الموجودين “على الأرض”.
من جهة أخرى، التقطت طهران الخيط، لتعلن عن مبادرتها لتسوية الأزمة السورية التي تتضمن عدة بنود طرحتها موسكو من قبل، ومن ضمنها مكافحة الإرهاب. غير أن وسائل إعلام تحدثت عن رؤية إيران لمواجهة تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية، تتضمن “محافظة الأطراف المتحاربة في سوريا على المناطق التي تسيطر عليها، والتحول إلى محاربة “داعش”. وهو طرح يبدو صعبا، ولكنه ممكن في ظل الحوار المستمر، وما يمكن أن تسفر عنه جهود موسكو على المديين المتوسط والبعيد.
الخطير في هذا المشهد الذي يسعى إلى التقريب بين الدول من جهة، وبين فصائل المعارضة السورية من جهة أخرى، أن الولايات المتحدة، وعلى الرغم من الفشل الواضح في خططها لتدريب ما يسمى بـ “المعارضة السورية المعتدلة”، إلا أنها أعلنت في نفس توقيت تواجد وفود المعارضة السورية في موسكو بأنها ستواصل تدريب مسلحي المعارضة لقتال تنظيم “داعش”. ما يعكس عدم رغبة واشنطن بتمرير أي سيناريوهات أخرى لتسوية الأزمة السورية. وفي نفس الوقت تواصل الترتيبات لاستخدام الأراضي التركية لشن هجمات على ما تصفه بمواقع تنظيم داعش، على الرغم من الخسائر الفادحة التي توقعها هذه الهجمات في صفوف المدنيين.
سيريان تلغراف | أشرف الصباغ