في رد فوري.. نفت وزارة الخارجية الأمريكية الثلاثاء 11 أغسطس/آب تصريحات صادرة عن مسؤول دبلوماسي تركي رفيع المستوى بشأن وجود اتفاق بين واشنطن وأنقرة حول إنشاء منطقة آمنة شمالي سوريا.
المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر، قال إنه لا يوجد أي اتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن إقامة منطقة أيا كانت، مشددا على أنه ليس على علم بتصريحات نقلتها قناة إخبارية في تركيا بهذا الشأن عن نائب وزير خارجيتها فريدون سينيرلي أوغلو، وبالتالي، فهو لا يستطيع أن يعلق عليها.
وأضاف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: “ليس هذا ما تحدثنا عنه، بل تحدثنا عن دعم الجهود لطرد داعش من المنطقة”.
هذا التصريح جاء ردا على تصريحات صدرت في وقت سابق من يوم الثلاثاء على لسان نائب وزير الخارجية التركي سينيرلي أوغلو، الذي أكد بأنه “لدينا فهم مشترك مع الولايات المتحدة حول إنشاء منطقة آمنة، وقد اتفقنا على إنشائها في سوريا على حدودها.. سيتواجد في هذه المنطقة السكان العرب والتركمان، وسيكونون جميعهم تحت حماية الطيران الحربي في حالة هجمات محتملة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية أو حزب الوحدة الديموقراطية الكردي أو القوات السورية”.
وأضاف المسؤول التركي أن القوات التركية والأمريكية ستقوم بالتعامل الفوري مع مسلحي “داعش” أو حزب الوحدة إذا حاولوا دخول المنطقة الآمنة.
من الواضح أن الولايات المتحدة بدأت تفكر في الاستغناء عن شخص رجب طيب أردوغان الذي أدى دوره على أفضل وجه في السنوات الخمس الماضية، وأصبح يشكل في الوقت الحالي عائقا أمام سيناريوهات واشنطن المقبلة، والتي تعتبرها بعض التقارير سيناريوهات معدلة في ما يتعلق بعلاقة واشنطن بالقوى الدينية في المنطقة.
أي أن هناك تحولات غير ملموسة الآن في علاقة الولايات المتحدة بحلفائها من التيارات والقوى اليمينية الدينية المتطرفة، وفق ما تقتضيه المصالح الأمريكية، وخاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني.
وكذلك تحسن العلاقات الروسية العربية، والزيارات المهمة التي يقوم بها المسؤولون العرب من كافة الدول العربية إلى موسكو، سواء في المجالات الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية، أو كلها مجتمعة.
لا شك أن أردوغان أصبح يشكل عبئا على الولايات المتحدة. ولكن الأخيرة لا تجد له بديلا في الوقت الراهن. أما أردوغان نفسه، فهو متيقظ جيدا لهذه الفكرة، ويعرف أن واشنطن تسعى للتخلص منه تدريجيا.
وبالتالي، وعلى الرغم من عضوية بلاده في حلف الناتو، فهو يغازل روسيا من جهة، ويفتعل معارك مع مصر وإسرائيل من جهة أخرى، ويتمسك بحلول متطرفة للأزمة السورية من جهة ثانية، هذا إضافة إلى تلويحه الدائم بخطورة داعش والملف الكردي، ما يمثل رسالة إلى الغرب بأنه في حال الإطاحة به أو الاستغناء عن خدماته، فمن الممكن أن تظهر نتائج سلبية في غاية الخطورة على أمن أوروبا والمنطقة ككل.
وعلى الرغم من مساعي الولايات المتحدة في الاستغناء عن شخص أردوغان، إلا أنها لا تتوانى عن تقديم الخدمات له، وهي الخدمات التي تضمن لها بقاء تركيا في حلف الناتو حتى بعد رحيل أردوغان، أو في حال تبدلت موازين القوى في الداخل التركي في اتجاه آخر بعيدا عن بوصلة واشنطن.
ومن جهة أخرى، تحاول واشنطن إضعاف دمشق إلى تلك الدرجة التي يمكن أن تتغلب فيها كفة ما يسمى بالجيش السوري الحر والمعارضة السورية المسلحة لكي تقوم بالدور المنوط بها والدخول إلى دمشق تحت حماية جوية، أو في أسوأ الأحوال تضمن المساحة الأكبر في أي مفاوضات تتعلق بمصير الرئيس بشار الأسد.
إن تركيا مع السيناريو الأول وليس الثاني. بينما الولايات المتحدة مع أي سيناريو يحقق مصالحها ويجعلها الأكثر تفوقا في المنطقة، والأكثر إمساكا بزمام الأمور.
المعلومات المتوافرة إلى الآن تشير إلى أن المنطقة الآمنة ستشكل 98 كلم طولا و45 كلم عرضا وستقوم دوريات للمعارضة السورية المسلحة متمثلة بـ”الجيش الحر” بحراستها.
لكن يبدو أن واشنطن وأنقرة تفسران الاتفاقات السرية أو الضمنية بينهما بأشكال مختلفة نسبيا، ومع ذلك فلا يوجد أي تناقضات بينهما في العديد من الملفات، سواء كان أردوغان في السلطة أو خارجها. فالمنطقة الأمنة يجري إقامتها تدريجيا وعلى أرض الواقع بنتيجة الهجمات التركية غير الشرعية على شمال سوريا، واستخدام قاعدة أنجرليك لإطلاق المقاتلات الأمريكية والطائرات بدون طيار لشن هجمات مماثلة على الأراضي السورية.
سيريان تلغراف | أشرف الصباغ