لم يعد السكوت عن الظلم ممكناً، فقد أصبحنا في زمن الحرية، زمن الشعلة الثورية، فآن لّليل أن ينجلي وللقيد أن ينكسر، إذ ليس بمقدورنا أن ننتظر حتى نهرم لنأخذ زمن المبادرة،” فوا أمماه، ووا مجلس الأمن والولايات المتحدة وشيوخ الفتوى وأمراء الحرب والنفط والطاقة ” بهذه العبارات وبغيرها من العبارات ذات التأثير الأشد انتفض مستوطنون صهاينة أبرياء مغلوب على أمرهم للنيل لكرامتهم ولسيادتهم، من رضيع فلسطيني ظالم مستبد يبلغ من العمر قرابة العام والنصف، انتهك القانون الإنساني والقانون الدولي وخرج عن ملة الدين والمذهب الرحيم، فما كان لهم بعد أن خذلهم شيوخ الفتوى بهدر دم الرضيع الفلسطيني وتخاذل العربان عن مدهم بالمال والسلاح ودعمهم في الجامعة اليعربية ومجلس الأمن، وتراخي الأئمة والدعاة عن شحن المسلمين في خطب الجمعة والعيد ودروس العصر والمغرب عن نصرة المستوطنين الصهاينة المظلومين، إلا أن يبادروا بقلوبهم البيضاء وبقلوبهم الرحيمة وأن يتحولوا من مظلومين إلى ثائرين، فكان لهم جزءٌ قليلٌ جداً مما عزموا عليه، إذ أشعلوا نار الثورة الصهيونية ضد الطغاة العرب المستبدين بجسد رضيع ظالم مستبد.
فلم يبتدعوا ولم يبادروا إلى شيء جديد حيث سبقهم إلى ذلك البوعزيزي بنفسه، وداعش بالكساسبة الأردني، وبارك للأول بعض من يطلق عليهم علماء الدين، وكان الآخر بعلم ودراية حكومات ودول , وقد وجدت هذه الفعلة من يبررها من العلماء أنفسهم.
فلم يتوقع المستوطنون المغلوب على أمرهم أن يخذلهم العالم فهاهو الثائر المناضل الصنديد أبو مازن يتوعد بالتوجه للمحكمة الهزلية(عفواً الدولية) للقصاص واسترداد الهيبة، كما لم تبادر قناة الجزيرة القطرية رائدة الإعلام الثوري الحديث في إعداد التقارير التي تغطي هذه الحادثة، ولم يبرز مذيعوها لاستخدام العبارات القرآنية في صياغة التقارير التي تهاجم أبو مازن المناضل الصنديد على وقاحته في التهديد الهزلي للصهاينة، فقد كانوا ينتظرون أن ينبري مذيع من الجزيرة وآخر من العربية ويتبعه بعدها من الـ BBC و فرانس 24 والـ CNN ليعلنوا سيطرة الدين ويشبّهوا أبو مازن بفرعون الزمان الذي سمح للإعلام أن ينقل هذه الصورة ويسمح –أستغفر الله- للرضيع أن يستشهد قبل أن يعد العدة التلفزيونية لاستثمار مثل هذا المشهد.
ولعل الصهاينة المستوطنين معذورون في هذه الأيام لأنهم لم يقرؤوا خريطة المنطقة جيداً، ولم يتابعوا منذ فترة ليست بالقصيرة التحولات الجيواستراتيجية في المنطقة، فإعلامهم يكذب عليهم بنصر يتحقق هنا وهناك، كما لم يظنوا أيضاً أن يكون إعلام الأعراب مشغول بالتحريض على سفك الدم السوري وتدمير اليمن والسودان وتهديم الجزائر والمغرب وموريتانيا وتفكيك الخليج العربي وإعادة تولية الكراسي والمناصب لكلاب جديدة تكون أوفى من الأولى لأمريكا وحلفائها.
ولم يظنوا كذلك أن الأموال المدفوعة لتدمير سورية لم تستطع بعد كل هذه السنوات من القتل والتدمير والتهجير أن تمحو الكرامة من بقايا أمة العرب، ولم يظنوا أن يبقى للعرب سوى اللمامة التي لن يحسب لها الرأي العام الأعرابي أي حساب، ولم يظنوا أن الإرهابي الأكبر خاصتهم النتن ياهو قد يستثمر فعلتهم في المحافل الدولية والماسونية.
ولعل الحقيقة الوحيدة فيما جرى أن المستوطنين قد نجحوا في قراءة الأولويات الأعرابية في قتل الشعب السوري الذي لا يزال يعتبر فلسطين بوصلته الرئيسة، وتدمير حاضنة الكرامة والحضارة اليمنية، لكنهم لم يحسبوا حساباً لصحوة ثائر واحد يدافع عن الكرامة، وهو ما أدركه النتن ياهو الصهيوني أكثر مما أدركه إرهابيوه المستوطنون.
فهل أخطأ الإرهابي الأكبر النتن نياهو وأصاب مستوطنوه لأن أمة العار يستحق جميع الرضع فيها النار، بل ويستحقون النار لمجرد دخولهم وتكونهم في الرحم؟
أم أخطأ المستوطنون الإرهابيون لأن أمة دينها يبدأ بإقرأ وعبادتها تبدأ بالتكبير وتنتهي بالسلام لابد أن تلد ألف ألف من مثل ابن الوليد وصلاح الدين والمختار، ولابد لها أن تستفيق، ولا يمكن مواجهتها إلا بالدجل والرياء وإثارة الفتن والنعرات ؟
وهل نترقبأنيصبح بالأيام القليلة القادمة النتن ياهو أحد أنصار السلام والرحمة ويبدأ الدعاة بالدعاء له على المنابر الإسلامية لاستنكاره هذا العمل ووصفه إياه بالإرهابي، ومن ثمَّ نشهد اقتتالاً جديداً بين ما تبقي من كرامة لدى الشعب الفلسطيني مع الفئة الغالبة التي تسعى للمال والسلطة؟
إننا في فترة التحولات العظيمة التي لا يستبعد معها شيء، فهل نستعيد كرامة الأمة وعليائها لأن ((وطننا حق لنا.. وحمايته حق علينا .. والله مع الحق))، أم يصح في عصرنا ما يقال بأنه عصر شعب الله المختار والموت للَمامَة الأعراب وأمة العار؟.
سيريان تلغراف | د. يحيى محمد ركاج
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)