ما أروع العولمة – التكنولوجيا – الحداثة – التحديث عندما نتحدث عن النعم التي أنعم الله بها علينا في الدنيا التي نعيشها بطولها وعرضها، والتي تقودنا رويداً رويداً إلى الانخراط في أدواتها حتى بتنا إحدى أهم ركائزها كما في زر الإرسال في الواتس أب واللاين أو الإدخال في لوحة المفاتيح أو المشاركة والنشر في الانستغرام واللينكد إن وغيرها ضمن ثلاثية اسأل وأعطي وأشكر. لقد بلغ تأثير العولمة حداً أصبحنا فيه من الأدوات الجامدة التي تستخدمها، عفواً فالمعذرة من بقايا البشر، إذ أن مفردات اللغة تصبح قميئة إن لم نحسن استثمارها وتوظيفها أو حتى الإراغة بها، وأعيد عبارتي كالآتي:حتى أصبحنا من أبرز الأدوات الذكية التي نستخدمها نحن البشر ونحمد الله سبحانه وتعالى ونشكره على هذه النعمة التي أنعم بها علينا، فأصبح بعضنا كما الحيوانات التي تشتم رائحة هدفها وتجري مسرعة دونما تفكير نحوه، فبعضنا أصبح يشتم رائحة النفط والطاقة فيجري كالحيوان الذكي نحوه غير آبه بما يُحدثه من قتل وتدمير ودماء وتهجير واغتصاب أثناء سعيه لهدفه المنشود، سواء أكان الإنسان في بلاد الغرب التي لا تعترف إلا بحقوق الإنسان والحيوان، أو كان في البلاد التي تقدس الأديان عموماً وتدين بالديانات السماوية والإسلام على وجه الخصوص.
لقد أصبح البشر في دول العالم الثالث مع تقدم العلوم والتكنولوجيا كما المناديل الورقية بيد الصبية الصغار، يمزقونها ويلعبون بها وينظفون بها بعض القذارات التي تصيبهم ثم يستخدمونها في دورات المياه، مع فارق بسيط في مغزى الاصطلاح وتوظيفه.
حيث أن بقايا البشر والقذارات البشرية تم تجميعهم سابقاً من أجل بناء حضارات الغرب وتمتين قوة الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن انتهت الولايات المتحدة من سكان المنطقة الأصليين الذين أبادتهم-وهنا رمزية الفكرة الأولى للمناديل الورقية- تحولت بأداوتها لساحات الحروب المتفرقة في الدول والأماكن الأخرى محققة بهم النصر والسيادة في العالم. ومع تطور العلوم والتكنولوجيا وظهور حضارات وأمم أخرى مدركة لأهمية استهلاك البشر تحت شعار التطويع الذكي للتكنولوجيا لخدمة البشر، بات العالم أمام صراع وقوده البشر وأدواته البشر ومناديله الورقية أيضاً حفنة من البشر ومرمى نفاياته بلاد البشر أنفسهم وللتوضيح أكثر: بلادنا العربية والإسلامية.
وحتى لا أخوض في صور قدمناها فيما سبق من خلال حوادث متفرقة سوف أكتفي بما تشهده في هذه السنوات منطقتنا العربية من تطويع ذكي للتكنولوجيا يقوم على جعل حفنة من الأعراب ولماماتهم المتزعمة أدوات الصراع العالمي الجديد، ويجعل من بقايا شعوبهم وقود هذه الصراع، ليطرب مصاصوا الدماء يومياً بسقوط المئات أو الألوف من الشهداء والقتلى والضحايا والمغرر بهم و”الإرهابيين باعتبارهم من العرب والمسلمين” في بلادنا العربية خاصة والإسلامية منها على وجه العموم.
فها هي دمشق حاضنة العروبة وليبيا أسطورة عمر المختار ساحتا استثمار لإبادة القذارات البشرية في تطبيق عملي ناجح لتجربة التحالف الأنجلو سكسوني في العراق عندما حول التنظيم الإرهابي القاعدة إلى تنظيم لا مركزي يقوده برعاع القوم كبؤر وجماعات تعبث قتلاً وتفجيراً وتفتيتاً لعضد الأمة بعد أن أسقط العراق حفنة من أبنائه الخونة تحت ستار الأدوات الذكية للديمقراطية والحرية والعدالة الوضعية لحقوق الإنسان.
وقد استعرضت ليبيا وسورية حتى لا أطيل بتقديم الصور لأصل إلى اليمن السعيد الذي يترقبه العالم أجمع في الأيام القادمة كساحة استهلاك جديدة لأبنائنا في تطبيق عملي مصغر لتجربة جديدة للغرب تمت بكامل خطواتها من البداية إلى النهاية بواسطة التلامذة المجتهدين العرب.
فهل نترقب استثماراً لبراءة الاختراع الجديدة في الساحة اللبنانية أم الجزائرية أم في في بعض الدول الخليجية المجاورة لليمن، خاصة أن شماعة الخروج من الورطة اليمنية قد تأخرت بعض الشيء بالنسبة لمن تورط بها، ولا أعلم إن كان استحضار القاعدة وأخواتها من داعش وغيره للساحة اليمنية عمداً أم غباءً لم يكن في الحسبان.
لقد جُعل منا أدوات للاستهلاك بيد من يملك الثروة والمال والقوة، فأصبحت بلادنا بمن فيها الحامل والمحمول، المناديل والمكان الذي تُرمى به هذه المناديل بعد استخدامها، رغم أننا أهل الأديان والحضارات وفينا حملة القرآن الكريم الذي ذكر فيه:” إنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”. ولكن يبدو أننا نسينا أنه ذكر فيه أيضاً: “ثم رددناه أسفل سافلين” وفي الختام، لم تعد الساحة السورية بعد اليوم وحدها من يحدد مصير الأمة، لكنها هي الأقرب لتحقيق نصر الأمة إن أدرك العربان ما اقترفته أيديهم، خاصة أن فيها من سطر أروع ما عرضه التاريخ إلى الآن من ملامح البطولة والتضحية والذكاء.
عشتم وعاشت أمتي العربية كريمة حرة أبية غير مجزأة أو مفتتة، وعاشت الجمهورية العربية السورية صامدة أبية منتصرة.
سيريان تلغراف | د. يحيى محمد ركاج
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)