قال الكاتب الصحفي البريطاني “باتريك كوكبيرن” في مقاله في صحيفة الإندبندنت البريطانية، إن الكثير من الأطراف لها المصلحة الأكبر في بقاء الوضع الراهن بمنطقة الشرق الأوسط على ما هو عليه من انتشار للاضطرابات والصراعات والحروب الأهلية، وتلك الأطراف هي الممالك الخليجية والتي تتزعمها السعودية.
ويرى كوكبيرن بحسب موقع “اسيانيوز” أن تتابع الأحداث العسكرية والدبلوماسية يعصف بالمشهد السياسي في المنطقة، وكان التطور الأبرز هو التفاهم بين الولايات المتحدة والقوى الخمس الكبرى مع إيران لتحييد برنامجها النووي مقابل الغاء الحظر.
ويشير كوكبيرن إلى أن الشيء المذهل في التطورات الأخيرة على مدار الأسابيع الماضية هو أن السعودية تسعى لإجراء تغيير جذري في المنطقة وتتهيأ لاستخدام القوة العسكرية لتأمين هدفها ” ويمكننا التأكيد على تلك الفكرة بالنظر لدورها في مختلف الصراعات الحالية”.
ففي اليمن، شنت السعودية حربا جوية مدمرة وداخل سورية تتعاون مع تركيا لدعم الحركات المتشددة التي تقودها جبهة النصرة وهو فرع تنظيم القاعدة في سورية والذي سيطر على محافظة إدلب الواقعة شمال غرب البلاد، لذا فهي تتخلى عن تقاليدها في اتباع السياسات الحذرة وتستغل ثروتها الهائلة لشراء النفوذ.
أيضا تعمل السعودية من خلال وكلائها في المنطقة بل وتحافظ على تقاربها مع الولايات المتحدة، وفي اليمن تقوم بقصف جوي على معاقل الحوثيين إلى جانب وحدات الجيش اليمني التي لا تزال موالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي كان يوما ينظر إليه أنه رجل السعودية وواشنطن في صنعاء.
وكما هو الحال مع العديد من الحملات الجوية الأخرى، فإن السعودية وحلفاءها الآخرين يدركون أن الغارات الجوية دون شريك عسكري موثوق به على الأرض لن يقربهم من الهدف المرجو، في الوقت نفسه إذا نشرت السعودية قوات برية في اليمن، فهي بذلك تدخل مستنقعا مثل العراق وأفغانستان.
وتعزو السعودية تدخلها العسكري في اليمن للاستفزازات من قبل قوات الحوثي، والكثير من تلك المزاعم هي مجرد دعاية إعلامية ، فالحوثيون، الذين أتوا من قبائل الزيدي في جبال اليمن الشمالية، يملكون حركة ذات فاعلية عسكرية وسياسة وهي أنصار الله على غرار حزب الله في لبنان.
والسؤال اﻵن هو لماذا هوت السعودية إلى هذا المستنقع، متظاهرة بأن إيران تحرك خيوط الأقلية الشيعية، على الرغم من أن دورها هامشي؟ الزيديون، والذين يقدر عددهم بثلث سكان اليمن، يختلفون بشكل كبير عن الشيعة في العراق وإيران، وفي الماضي شهدت اليمن صراعا طائفيا صغيرا بين الشيعة والسنة، لكن الإصرار السعودي الحالي على تأطير الصراع الحالي وجعله طائفيا ربما يتحقق فعليا.
قدر كبير من تفسير ذلك ربما يعزى للسياسات الداخلية للسعودية، حيث تقول مضاوي الرشيد الأستاذة الزائرة بكلية الملوك في جامعة لندن إن محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي ونجل الملك يريد أن يجعل المملكة القوة المهيمنة المطلقة في شبه الجزيرة العربية، ويسعى لكسب لقب عسكري وهو “مدمر الشيعة الروافض وداعميهم الإيرانيين في اليمن”، وربما تمنحه العملية العسكرية في اليمن ذلك اللقب.
وليست اليمن البلد الوحيد التي تلعب فيه السعودية دورا أكثر نشاطا، فالأسبوع الماضي عانى الرئيس السوري بشار الأسد خسائر عدة، بسقوط مدينة إدلب شمال سورية في أيدي جبهة النصرة التي تقاتل إلى جانب حركتي أحرار الشام وجند الأقصى، أما فيما يتعلق بالدور السعودي في سقوط المدينة، فأشار إليه الصحفي السعودي ومستشار الحكومة جمال خاشجقي في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وقال خاشجقي إن السعودية وتركيا دعمت جبهة النصرة والحركات الأخرى في السيطرة على إدلب، مضيفا أن التنسيق بين جهازي الاستخبارات السعودي والتركي لم يكن جيدا مثلما هو اﻵن، أما الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن ذلك الاعتراف الصريح بدعم السعودية للجماعات المسلحة لا يجذب الكثير من الانتباه.
السعودية ليست المملكة الأولى التي تتصور أنه يمكنها تحقيق الاستقرار لحكمها عن طريق شن حرب خارجية قصيرة تحقق فيها الانتصار، ففي عام ١٩١٤ كان لدى ملوك ألمانيا وروسيا والإمبراطورية النمساوية المجرية الفكرة نفسها، لكنهم عادوا أدراجهم في نهاية الأمر.
وربما ينتهي الأمر بالسعوديين لأن يجدوا أنفسهم كانوا أكثر نجاحاً في تدمير الوضع الراهن لمنطقة الشرق الأوسط أكثر من أي دولة أخرى.
سيريان تلغراف