تناقلت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية صوراً لِ عـناصر مسلحة وهم يدوسون بأقدامهم القذرة على رأس نصب تذكاري محطم لِلزعيم هنانو، ما أثار غضب العديد من السوريين الذين وصفوا العمل بِ الحقير. لذا أودّ التذكير بهذا القائد :
المجاهد ابراهيم هنانو هو أحد قادة الثورة السورية الأولى على الإحتلال الفرنسي. وُلد في محافظة حلب عام 1869 تُوفي سنة 1935 وبعـد انهاء دراساته تـمّ تعـينه ممثّـل حلب في المؤتمر السوري بِ دمـشق لِ دورة 1919ـ 1920 وعندما قـسّم الإحتلال الفرنسي سوريا، شكّـل قوة وطنية لمحاربة المستعـمـر وألحق به أضراراً فادحة في المواجهات…ولما كان الضغط الفرنسي كبيرا، طلب العون من الأصدقاء فَ استرجع مناطق واسعة من الفرنسيين. وازدادت المعارك حدة الى أن سيطرالفرنسيون. وألقي القبض على القائد هنانو وقُدّم إلى المحكمة العسكرية الفرنسية، ثم أطلق سراحه… وتابع مسيرته ونضاله الوطني الى أن استلم قيادة حزب الكتلة الوطنية الذي قارع الفرنسي وحاربه بالإمكانيات المتوفرة…
وفي صباح الخميس الثاني عشر من تشرين الثاني 1935 شعر بِ آلام شديدة في صدره ، فَ أمسك ساعته وأخذ يعـدّ نبضه وحين شعر أن عدد نبضاته يتجاوز المائة، ألقى الساعة من يده، وقال لمن حوله: “قولوا لإخوتي الوطن بين أيديهم”
توفي في يوم 21.11.1935 وصُلي عليه في الجامع الأموي بحلب وحزن كل الوطن على فقدان احدى ايقونات كرامته!… وكان حفل التأبين للزعيم المجاهد خيـر تعبير على أصالتة ووطنيته… اما المرثية البليغة التي ألقاها الدكتور منير العجلاني في الزعيم هنانو، كلمة حقّ، راجيا أن يقرأها كبار “المعارضين المعتدلين” الذين دفعوا بِ أولاد الحنظلية لِلقيام بهذا العمل الشائن الحقير فَ حطموا النصب التذكاري وداسو بِ أقدامهم على رأس من عاش ومات ولا هم له غير وطنه المحتل. وها هو نص تلك المرثية البليغة، عسى أن يفهموا ويعـوا مدى جهلهم الذي ورثوه من ملوك الرمال :
“عاش كما عاش “راما” نقياً كالنار، ثابتاً كالطود، واسعاً -كالبحر، ومات كما تموت الشمعة، التي تحترق لتضيء للناس، وتلتهب حتى تذوب. لم يودع صحابته، كما ودع سعد رفاقه بكلمتين: أنا انتهيت. فقد كانوا يريدون منه أن يتكلم دائماً، لأن كلامه نور، وكان يجيبهم دائماً.. وحتى النفس الأخير أخذ منه المرض شعاعاً بعد شعاع، ولكنه كان يعطي الوطن طوعاً أكثر مما يأخذ المرض منه كراهية. فقد كان جباراً، وكانت حجته غالبة، والذي يجود للوطن بنفسه، لا يضن عليه بقوته.
بموته، شعر كل شاب أن أبا مات، وكل مجاهد أن قائداً قتل، وكل سياسي أن معقلاً تهدم. بموته، تقف حركة شغلت الناس بعملها عن تقدير أثرها. وما أدراك ما أثرها. قطعة من الوطن على حدود الترك، تحتشد فيها أمة قيل إنها تاجرة، وقيل إنها نزاعة إلى الانفصال. وقال صحفيون أوربيون إنها غريبة عن دمشق، لأن وطنية دمشق تلفظ أنفاسها على أسوار حماه.
ولكن رجلاً ظهر، وانطلق الحلبيون يرددون اسمه، كما تردد أسماء الأولياء، فنسخ آية الانفصال، وسكب الإيمان في القلوب، والنور في العيون، والمضاء في العزائم والعفة في الألسنة، وسيطر على العقول بالفروسية، وأعاد الضعيف قوياً، والمتهاون أبياً، والجوامع والصوامع والمدارس والمنازل، معاقل قومية وعلَّم حلب من الوطنية ما تعلم وما لا تعلم، ورفع اسمها فوق الأسماء، وحمل إلى العاصمة، التي كانت تتساءل عن وسيلة للدفاع عن حلب جيشاً يدافع عنها هي نفسها. ذلك الرجل هو إبراهيم هنانو، وإبراهيم هنانو قد مات. رحم الله هنانو، فقد صنع لنا تاريخاً، وبنى لنا معقلا…”
الى النفوس الملعونة والأيادي الحقيرة التي تطاولتْ على القائد ابراهيم هـنانو وحطمتْ نصبه التذكاري في إدلب الجـريحة، ثم داستْ بِ أقدامها الحقيرة على رأسه، ذلك الرأس الذي رفع مكانة سوريا عاليا بين دول العالم… الى تلك النفوس الملعونة والأيادي الحقيرة وقياداتهم المرهونة عند أعداء الوطن، والشعب السوري المتألم يقول لكم :
- لا بارك الله فيكم ولا بِ أصلكم لأن من يقوم بِ بِ أعمالكم لا أصل له ولا أخلاق ولا كرامة
- لا بارك الله فيكم لأن من يتنّكـر لِ رجالات وطنه الميامين لا يحق له الإنتماء لِ سوريا الوطن !
- لا بارك الله فيكم : إذا كنتم سوريين، سوريا بريئة منكم، وأعلموا أن سوريا لا ولن تنسى الخونة والجهلة !…
- لا بارك الله لا فيكم ولا في عروبتكم إذا كنتم من العربان الخونة، لعنة الله عليكم في هذه الدنيا وفي الآخرة !…
- لا بارك الله فيكم إذا كنتم من أحفاد بني عثمان أو من الشيشان أو من أفغانستان أو من طاجيكستان أو من عمّان!…
- لا بارك الله فيكم فَ من يهين كرامة وطنه لا كرامة له ومن ينكر كبار قومه وحكمائه ينكره الله وعيسى والنبي!…
تاريخ سوريا وحضارتها تعود الى عصور غابرة تنيف على ستّة ألاف سنة، يوم كانت الدول التي تتحكّم في مصير العالم اليوم تعيش الظلام والجهل… يا جهلة، إنكم بأعمالكم هذه تطمسون ماضٍ مجيد يحسدنا عليه العديد من شعوب اللأرض.
- ألم تسمعوا بتعليقات العالم حول تحطيم تماثيل بوذا على أيدي مجاهدي ’طالبان‘ في أفغانستان ؟…
- ألم تسمعوا بما قالتْ وسائل الإعلام حول أعمال حلفائكم في العراق في متاحف الحضارة الأشورية ؟…
- هل علمتم كيف استولى الصهاينة على آثار متاحف العراق إثرالإحتلال الأميركي إنتقاما من نبوخوذنصر؟…
- هل تعلمون أن قياداتكم “الحكيمة الفهيمة” تنوي تحطيم آثار بعلبك والأهرام وتدمر وتبقي القبورالواثر فقط ؟…
كل هذه النشاطات التدميرية كي لا يتخلى المؤمنون عن عبادة الله الواحد الأحد ويتجهوا لِ عبادة الحجرَ ومن صنع الحجر. والسؤال الطروح عليكم، يا جهلة يا أبناء الجاهلية، هل عَـبَـدَ أحد اجدادنا أثار بعلبك أو الأهرام أو تدمر ؟…
حين كـنّا نزور متاحف برلين أو باريس أو لندن، كنّا نفقد أعصابنا كيف تركنا الغرب يستولي على آثارنا الحضارية راجين أن ياتي اليوم الذي نستعيد هذه الكنوز ونعيها الى منبتها الطبيعي… وانتم يا جهلة يا أبناء الجاهلية، باعمالكم هذه تدفعون بنا نحو التمني أن تكون كل متاحفنا وآثارنا هناك في دهاليز متاحف الغرب كي لا تحطمها اياديكم النجسة ’حطّمها الله‘ !…
شعوب العالم تفتخـر بِ قياداتها وشهدائها ورجالاتها، وبعض الدول تخـتلق الروايات كي تصنع أبطالاً كي تـتـباهى بهم أمام سائر الشعوب، وانتم يا جهلة وأبناء الجاهـلية تدمّرون تاريخنا وحضارتنا وتحـطّمون أيقونات الوطن، الذين لولا تضحياتهم لَ كانت سوريا لا تزال ترزح تحت نير المستعمـر ولَ كانت فرنسا قد باعتْ ارضنا المقدسة كما فعلتْ حين كانتْ تتحكم في مصيرنا، كما باعت مناطق السريان وأديرتها الأثرية الى بني عثمان وباعتْ ما باعتْ كي تخلق ’لبنان الكبير‘… كيف ننسى أنها باعتْ اسكندرون وأنطاكية عاصمة المسيحية المشرقية الى العثمانيين ذوي الأيادي الملطخة بدماء الأرمن والسريان والأشوريين في مذابح 1915…
كما اختفى اختفى من وجه الأرض برابرة هولاكو وجكيزخان وتيمورانك وبقيتْ دمشق الشام درّة المشرق، هكذا ستختفون انتم أيضا من الأرض المقدسة، ومعكم المموّلون والداعمون وإخونهم وأخواتهم، وتعود سوريا تبني ما حرقتم ودمرّتم… لآن “سوريا الله حاميها”
والسلام عليكم ولكم ومعكم.
سيريان تلغراف | فؤاد عزيز قسيس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)