لا يمكن فهم مواقف واشنطن من الأحداث الجارية مالم يعرف أسس الاستراتيجية الأميركية.
وهذه الاستراتيجية تعتمدها جميع الإدارات الأميركية, و تقوم على الأسس والركائز التالية:
- ضمان ديمومة واستقرار النظام الامبريالي وقيادته للعالم بأعلى درجاته الاحتكارية.
- إقناع مواطنيها وباقي الشعوب بأن الإسلام هو العدو الجديد للعالم.
- الثالث: تفتيت الشرق الأوسط إلى دويلات عرقية وطائفية, بحيث يجعل وجود دولة دينية كإسرائيل مقبولاً وسط محيط مماثل, ويضمن استقرار الغرب وسيطرتها عليه.
- تشديد قبضتها على النفط, من خلال تشديد الخناق على الدول المصدرة والمستوردة له. لتبقى المتحكمة بكل مجرياته. ويمنحها التحكم بسياسات باقي الدول.
- تفتيت دول عربية أستمرت في تصديها للعدو الصهيوني الذي أغتصب فلسطين لأكثر من نصف قرن, وتدمير قواتها المسلحة, وحتى تفجير مجتمعاتها.
- محاربة وإسقاط أية دولة أو نظام أو حزب أو حركة تقوم على أساس ديني. أو تدعوا لإقامة دولة إسلامية, باستثناء الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل كدولتين دينيتين.
والسياسات الاميركية التي تدور في فلك هذه الاستراتيجية جرت الكثير من الويلات للعالم. والمفكر والناقد والمحلل السياسي اليهودي الأمريكي نعوم تشومسكي في محاضرة له في الجامعة الأميركية بالقاهرة كشف عن جوانب لبعض الحقائق والسياسات. وأوجزها بالأمور التالية:
- أفادت دراسة علمية منشورة مؤخراً أن حوالى 100 مليون من البشر, سوف يموتون في العشرين عاماً القادمة بسبب التغيرات المناخية.
- إسرائيل هي التي تمثل خطراً أعلى, وهي ذات تهديد نووي أكبر. وهي من ترفض السماح للمنظمات الدولية بالتفتيش على منشآتها النووية ونشاطها النووي.
- الجماهير العربية لا تعارض امتلاك إيران السلاح النووي كما تعارضه بعض أنظمتها.
- التهديدات ليست مجرد كلمات, وإنما هي مترافقة مع الحرب الاقتصادية التي تطبق فيها الولايات المتحدة الأميركية معايير مزدوجة.
- الولايات المتحدة الأميركية ترى أن التهديد والتضييق الاقتصادي الذي قد يقع عليها, يبرر لها الحرب. بينما تقوم هي بفرض العقوبات الاقتصادية على غيرها.
- تنظر الولايات المتحدة الأميركية لحرب وسائل التكنولوجيا والاتصال الحديثة كأحد أشكال العدوان العسكري إذا ما كانت موجهة ضدها فقط. بينما هي تستبعد كل ما تفعله في هذا الصدد ضد باقي الدول من طائفة بعض مسببات ذلك العدوان.
- نادراً ما يُذكر أنه قصف مفاعل العراق النووي لم يوقف الجهود العراقية النووية. فالقصف هو ما تسبب في بدء ذلك الاهتمام. ولو حدث ضرب للمحطات النووية الإيرانية فمن المتوقع أن يكون رد فعل الإيرانيين بالضبط كرد فعل العراق والعراقيين.
- أثناء ذروة صراع الأزمة الكوبية كان هناك خوفٌ من جانب الرئيس جون كينيدي أن حرباً نووية مع الاتحاد السوفييتي ستندلع وتمحو نصف الكرة الشمالي. ومبعث ذلك: هو الفكرة التي مفادها أنه لا حق للاتحاد السوفييتي في أن يستخدم أسلحة نووية خارج حدوده. بينما تحتفظ الولايات المتحدة لنفسها بذلك الحق الأحادي.
- لعلها أشبه بمعجزة أننا حتى الآن نجحنا في تجنب وقوع حرب نووية بين الهند وباكستان, وبين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي.
- نهاية الولايات المتحدة الأميركية بدأت منذ الحرب العالمية. ولكنه يعتقد أنه على الرغم من انهيار الولايات المتحدة الأميركية, إلا أن الأمر ليس على هذا النحو. فما زال معدل الإنفاق العسكري الأمريكي أكبر من معدل الإنفاق العسكري لبقية دول العالم ككل. وما زالت الولايات المتحدة تُغرق العالم بقواعدها العسكرية.
- الوضع الاقتصادي الأمريكي ما زال في ذروة قوته. وتتفوق المبيعات الأمريكية بأكثر من 10 أضعاف مبيعات روسيا التي أتت في المرتبة الثانية، وما زالت الصين والهند رغم ازدهارهما التجاري ضمن الدول الفقيرة.
- الرئيس الأمريكي روزفلت كان يهدف لفرض الهيمنة الأمريكية على العالم. ويسعى لوضع قيود بالقوة على أية دولة ذات سيادة, يمكنها أن تنتهج سياسات قد تؤدي إلى صراع او تصادم مع الخطط الأمريكية من أجل السيادة والسيطرة عليها.
- بحلول عام 970 م كان نصيب الولايات المتحدة من ثروات العالم قد انحسر. وبعدها بنحو 20 عاماً انهار الاتحاد السوفييتي.
- الولايات المتحدة الأميركية أعلنت بعد نهاية الحرب الباردة أنها ستحافظ على تصنيعها ذي التقنية العالية, لمواجهة القومية الراديكالية لدول العالم الثالث بدلا من مواجهة الروس. ولكن حلف الناتو زاد من توسعه وانفاقه بدلاً من أن يقلصه.
- حصل غورباتشوف وقتها على وعد أصر عليه. وكان ذلك الوعد بأن الناتو لن يتوسع شرقاً. لكن الناتو توسع في ألمانيا الشرقية. وعلى الرغم من الغضب العارم لغورباتشوف وقتها، قال له بوش: أنه لا يوجد ما ينص على ذلك الوعد كتابة.
- بانتهاء الحرب الباردة سقط الاتحاد السوفييتي وسيطرت مشاعر الفرحة الجارفة ودعاوى نهاية التاريخ وغيرهما. إلا أن وصول جورج بوش الابن إلى الرئاسة أصبحت مواجهة المشاعر العدائية في الشرق الأوسط أكثر صعوبة. ولعل أعظم منجزات أوباما هي قدرته على أن ينحدر لأسفل حتى أكثر من سلفه الرئيس جورج بوش.
- الفكرة التي تحكم السياسة الخارجية الأميركية تقوم على السيطرة على مصادر الطاقة وليس الوصول إليها وجعلها متاحة. علماً أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعتمد على نفط الشرق الأوسط في الخمسينيات, إلا أن نفس الفكرة كانت قائمة.
- الولايات المتحدة غير معنية بالوصول إلى مصادر الطاقة بل بالتحكم فيها.
- بالنسبة للعراق بعد الغزو فالوثائق الرسمية ذكرت مصطلح التحكم الكامل.
- يوجد خشية وخوفٌ في الإدارات الأمريكية من أن يتجه الشرق الأوسط نحو الديمقراطية. وهذا تهديد كبير جداً. لأن واشنطن لا تريد سياسات في الشرق الأوسط ومصر تعكس الرأي العام للجماهير وتطبق الديمقراطية. لأن الرأي العام يرى أن الولايات المتحدة تحاول فرض سيطرتها على المنطقة للحفاظ على مصالحها.
- الحقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد للشعوب في مصر وتونس وغيرهما أن ترى في إيران أي شيء سوى أنها عدو فقط. ولهذا فهي قد ساندت الأنظمة الديكتاتورية في مصر وتونس أطول فترة ممكنة.
- الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول عاقبت الفلسطينيين في فلسطين على نتائج انتخابات اعترف لها المراقبون الغربيون بأنها كانت نزيهة. فالولايات المتحدة الأميركية تعاقب الناس لأنهم اختاروا كما أرادوا وليس كما ترغب وتريد!!
- الولايات المتحدة الأميركية تدعم قيم الحرية والديمقراطية والمسار الانتخابي فقط عندما تتفق تلك الديمقراطية مع أهدافها الاقتصادية والعسكرية.
- انهيار الولايات المتحدة هو بيديها. لأن قوة الشركات الاقتصادية الكبرى ذات تأثير بالغ في القضايا السياسية.
- الأغنياء جداً عادة ما يحصلون على ما يريدون في نظام سياسي منهار كما أظهرت العديد من الدراسات المحترمة التي قام بها عدد من المحللين السياسيين مؤخراً. والبنك المركزي في الولايات المتحدة شديد التأثر بتلك الشركات. والنقلة الحقيقية في الاقتصاد العالمي ليست المتمثلة في الهند والصين. وإنما في اتجاه لمزيد من التقسيم بين كبار الأغنياء وباقي العالم الذي يعيش سكانه في حالة مُهدَدَة وغير آمنة.
- الشركات الاقتصادية العملاقة ستستمر في التهام ما تبقى من الديمقراطية ومن النظام الاقتصادي طالما لم تستلهم النموذج الذي قدمه ميدان التحرير للعالم.
- معهد ماساشوستش للتكنولوجيا (MIT) مؤسسة ذات صلات معقدة بالمؤسسة العسكرية الأمريكية. وكان حوالى 90% من التمويل الذي يحصل عليه المعهد يأتي من البنتاغون. لكن لم يوجد أي عمل له طبيعة عسكرية في حرم المعهد. وأثناء حرب فيتنام أنشأوا معهداً لأبحاث السلام في قسم العلوم السياسية بالمعهد. و من مهمات البنتاجون الكثيرة جزء يتعلق بالسيطرة العسكرية على العالم, وجزء آخر معني بالحفاظ على الاقتصاد المتقدم للولايات المتحدة. والبنتاغون هو وسيلة لاستخدام الأموال العامة لزيادة أرباح الشركات الاقتصادية.
- ديفيد هيوم في القرن الثامن عشر أشار إلى كيفية قبول الناس بالخضوع للمعاناة والاستغلال الكثير لأنهم قد لا يتصورون أن ثمة إمكانية لتغيير ذلك. فالنساء مثلاً منذ بداية البشرية سلمن بأن دورهن هو الطهي والغسيل بينما الرجال منشغلون بأمور أكثر أهمية مثل قتل البشر. لهذا السبب استمر نظام العبيد طوال الزمن الذي استغرقه. كذلك فحين انضممتُ للجامعة كأستاذ في معهد ماساشوستش كان هناك احترام أكبر للأساتذة مما هو الآن, وأنا واثق أن الأمر كذلك لديكم.
- نشطاء الجماهير والتعليم يمكنهما معاً أن يُحدثا فارقاً هائلاً. لكن حتى الآن فإن وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأميركية حرصت على عدم توصيل أية معلومات في هذا الشأن إلى الجمهور في الولايات المتحدة الأميركية.
- لا أرى سبباً في أن يكون الإسلام السياسي ضد عمل وحقوق العمال.
- لا مقترحات لدي للحل في سوريا. لأن جميع القوى تدفع باتجاه التدمير.
- هناك خطة عقلانية ومنهجية جداً تجاه الربيع العربي. والخوف الأكبر هو فقدان السيطرة على المنطقة بما قد يهدد مصالح الولايات المتحدة.
- الشعب المصري لا يرفض معاهدة كامب ديفيد لكنه يعترض على تفسير الولايات المتحدة وإسرائيل لها ولبعض بنودها.
فالولايات المتحدة الأميركية ما كانت ولن تكون في أي وقت من الأوقات جمعية خيرية تقدم الدعم والمساعدة للأنظمة والحكومات والمعارضات والدول لتحقيق النمو والرفاهية ونشر قيم الحرية والديمقراطية في الدول والمجتمعات. لأنها دولة قامت على أسس لاإنسانية. فالمهاجرون الاوائل كانوا القدوة والمثال للصهاينة في إقامة إسرائيل. وقد مارسوا أبشع الاعمال الاجرامية بحق الهنود الحمر سكان أميركا الأصليين. وخطفوا البشر من أفريقيا وغيرها ليتاجروا بهم كرقيق وعبيد في الولايات المتحدة الأميركية. ومارسوا سياسة الفصل والتمييز العنصري بحق الملونين. والولايات المتحدة الأميركية لم تتدخل في الحروب بدافع إنساني, وإنما بدافع تجاري بحت لتصفي امبراطوريات وتقيم إمبراطورتيها الاميركية على أنقاض إمبراطوريات هزمتها او ساهمت بإفلاسها أ وتهميشها أو إقصائها أو إنهاء مدة صلاحيتها كالإمبراطورية البريطانية. ما لا يمكن فهمه: تسول معارضة عربية أو إسلامية دعم واشنطن لها واستجدائها تدخل الناتو لإسقاط نظام بلادها القائم بذريعة اتهامه له بعمالته لواشنطن أو إسرائيل .وحين تصل هذه المعارضة إلى سدة الحكم تسعى لتوثيق علاقتها بواشنطن, ولا تحرك ساكناً تجاه ما هو قائم من قواعد عسكرية في بلادها, واتفاقيات مجحفة تربط بلادها بواشنطن أو إسرائيل!!!
سيريان تلغراف | العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)