لطالما أرضعت الأم السورية أبناءها حناناً ممزوجاً بحب الوطن والتعلق بترابه ولعل هذا ما جعل من سورية صامدة وقوية عصية على كل فتن وجرائم الإرهابيين الذين سقطوا أمام صلابة أبناء جيش الوطن بمختلف شرائحهم عسكريين ومدنيين قدموا معاً كل التضحيات للدفاع عن أمهم الأولى سورية كي تبقى كما كانت مهداً للمجد ورمزاً للعلا ونجحوا.
وعلى مبدأ أن كل ما يقدم للأم قليل يتسابق أبناء سورية بعد مرور أكثر من اربع سنوات على الحرب الإرهابية التي تستهدف أمهم سورية لتقديم التضحيات وبذل الروح والدماء في سبيلها مستندين إلى تربية أمهات صالحات زرعن في قلوب أبنائهن حب وطن يستحق أن نخسر كل شيء من أجله لتكون قصص تضحيات الأبناء هدايا وعبرا تستذكرها أمهاتهن في عيدهن كل عام.
“الأم سورية تستحق أغلى الهدايا وهي شهادة معطرة بالدم من فلذة كبدي” بهذه الكلمات تبدأ والدة الشهيد أنس الخطيب ابن الأربعة والعشرين ربيعا الذي استشهد في تفجير إرهابي في جرمانا حديثها الذي غلب عليه الإيمان والقوة قبل أن تضيف” كان يزين عيدي بذراعيه اللتين تحيطان بي بحنان وكلمة عيد سعيد يا أغلى الحبايب”.
وبكلمات لا تخلو من غصة وحزن وعينين ملأتهما الدموع تهمس أم الشهيد أنس التي فقدت أربعة من أولادها “كانوا دائما يزوروني في عيد الأم والآن أنا من أزورهم في قبورهم وأقدم لهم الورد وأسقيهم بمائه” مشيرة إلى أن آخر عيد للأم كانت تنتظر أن يأتي أحفادها كعادتهم إلا أن هذا العيد كان مختلفاً عما عهدته منذ ثلاث سنوات فقد جاء ابنها زكريا لزيارتها ملفوفا بعلم الوطن شهيداً”.
تصف الأم المكلومة بالفقدان هذه اللحظات بالقول “كنت أظن أن صراخي سيصل إلى مسامع كل بيوت سورية بسبب شعوري بالفاجعة التي أصابتني لكن سرعان ما تبدل هذا الاحساس إلى العز والفخر لأنني قدمت قربانا لسورية” مشيرة إلى أن فترات استشهاد أبنائها كانت متتابعة وكل واحدة منها كافية لتكسر ظهرها إلا أنها اليوم تقوى دائما بسماع انتصارات الجيش السوري الذي يمثل عناصره كل أبنائها.
ما انتهت عنده أم الشهداء الأربعة تبدأ به أم الشهيد أحمد محمد المقدم الركن في الجيش العربي السوري والذي ارتقى أثناء تأدية واجبه في الذود عن تراب الوطن بحمص في كانون الأول عام 2011 قائلة “ابني لم يمت فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ويكفيني أنه قدم روحه ودماءه لتحيا سورية .. أنا أراه اليوم في عيون طفلتيه في وجوه كل أبطال الجيش العربي السوري الذين سيزيلون هذا الغم عن أمهم سورية بقوة من الله وسينتصرون للحق ودماء الشهداء على الإرهاب”.
ورغم أن ألم الفراق كبير ولا يوصف إلا أنه “عندما يتألم الوطن تصير أوجاعنا صغيرة أمامه” ولذلك فإن أم الشهيد المقدم تكابر على الوجع بالصبر وتتابع حديثها وهي تنظر طويلا لصورة معلقة على الجدار يطل منها وجهه باسماً وتقول “هو الآن في رحم سورية أمنا جميعا” مستذكرة كيف كان يوقظها باكرا صبيحة عيد الأم ويدللها بفنجان قهوة لا تعده هي كما العادة”.
أما عيد الأم هذا العام فله طعم المرارة عند الطفل أمجد إبراهيم الذي حرمه الإرهاب حنان أمه قبل أن يتجاوز العاشرة من العمر حين فقدها منذ ثلاثة أعوام برصاص المجموعات الإرهابية أثناء عودتها من العمل إلى منزلها الذي “بات اليوم بارداً” يقول أمجد وهو يحاول السيطرة على دموعه “أمي الآن ملاك في السماء وأعلم أنها تراني من هناك وتفرح عندما أدرس وأساعد أخي الصغير ماهر التي كانت توصيني به دائماً وكأنها تعلم أنها سترحل عنا”.
وهنا ترى أم سامر سمعان الذي استشهد في قذيفة هاون استهدفت المدنيين الآمنين بحي باب توما أن “لا عيد للأمهات حتى تتحرر الأم سورية من رجس الإرهابيين التكفيريين” إلا انها تؤكد أن العمل سيستمر وسيتعاون جميع أبناء سورية كل في مجاله عسكرياً كان أو مدنياً على أعداء الحياة والإنسانية الذين حرموا الأمهات من أولادهن والأطفال من أمهاتهن.
وعلى نمط كل الأبناء العاقين الذين تركوا أمهم سورية في أزمتها ومنذ بدء العدوان عليها وسافروا إلى خارج الوطن تناسى أولاد أم معتز أمهم التي تخلوا عنها في غرفة صغيرة لاحدى دور رعاية المسنين لمواجهة ما تبقى من حياتها وحيدة منذ ما يقارب أربع سنوات في ظل الظروف القاهرة التي تمر بها سورية.
وكقلب كل الأمهات تؤكد أم معتز بعد أن تدعو لأبنائها بالتوفيق والنجاح أنها ستسامحهم في أي وقت أرادوا الرجوع عن قسوتهم بحقها معربة عن أمنيات قد تغدو مستحيلة التحقيق بأن يعود أولادها أطفالا صغارا لترعاهم وتطعمهم وتلعب معهم ثم تزيد جرعة الحنان التي كانت تزودهم بها ليزيد معها وفاؤهم.
حال أم معتز كحال أم عبد الله إلا أن الأخيرة تعيش اليوم وقلبها يدمع دماً من قسوة أبنائها عليها وعلى الوطن إذ انهم اختاروا الوقوف في الصف المعادي لسورية داعية إياهم إلى التوبة عن خطئهم والعودة إلى حضن الوطن لأنه وتحت أي اعتبار فإن الأم تبقى أماً وسورية هي أمنا جميعاً.
كلمات أم عبد الله اتحدت مع ما نطقت به أم سامي تلك الأم التي رفضت هجرة الوطن ومرافقة أبنائها إلى الخارج رغم تقديمهم لها كل المغريات الكبيرة و توجيه الدعوات المستمرة للحاق بهم, إذ ان ذلك كله لم يلق آذانا صاغية لدى هذه الأم التي أبت رغم عجزها وضعفها وشوقها الكبير لفلذات كبدها أن تغادر بلدها سورية تصميماً منها أن تبقى طوداً أشماً يعتز به الوطن وشجرة زيتون ٍصامدة متمسكة بجذورها.
أم سامي تدعو أولادها إلى العودة لبلدهم والمشاركة في انعاش اقتصاده والمساهمة في إعادة إعمار سورية هذه الأم الكبرى التي تحتضن أبناءها بجميع أحوالهم وتعفو عمن لم تتلطخ يداه بدماء أخيه والتي ستتمكن بإرادة أبنائها وتماسكهم وعودة مغتربيها وتضحيات شهدائها الأبرار وما يسطرونه من ملاحم بطولة وعزة وفخار من أن تولد فجرا جديدا ينير دروب السوريين ويأخذ بيدهم إلى المحبة والخير والسلام.
ومن إيمانها العميق بأن حبل مشيمة كل مغترب سوري شريف مازال مرتبطاً بجذور رحم وطنهم الأم سورية تطلق أم سامي صرخة قوية لأبنائها تشاركها فيها جميع الأمهات السوريات تشبه نداء الوطن ليسمع صداها في كل أنحاء المعمورة “عودوا إلي.. فأنا أكثر قوة وصلابة بكم, وأنتم أكثر عزة وكرامةً في حضني من حضن الغريب فالشمس على حائطها أجمل منها على غيره”.
بينما تستذكر أمهات شهداء سورية بطولات أبنائهن وتحكي للأحفاد عن تضحيات أبطال الجيش العربي السوري الذين نذروا أنفسهم لسورية وشعبها تستعد الشابة لارا بشوق ولهفة لولادة مولودها الأول كي تصبح أماً في تأكيد ورسالة واضحة على أن الحياة مستمرة وأن على هذه الأرض السورية ما يستحق الحب والتضحية والحياة.
سيريان تلغراف