“داعش” و “جبهة النصرة” في القلمون، نقيضان، حليفان، ومتشاركي جبهات. في جرود القلمون تتغيّر الاستراتيجيات والتكتيكات المتبعة في سائر الجبهات، هنا “داعش” و “النصرة” يستمتعان بدفء تنظيم “القاعدة” الآخذ بالافول.
بين “داعش” و “النصرة” في القلمون ما يجمع أكثر مما يُفرّق، فالجماعتان اللتان نأت عن الصراع الدائر بينهما على مختلف الجبهات السورية، تراهما ينسقان على أكمل وجه في القلمون، فما السر؟
العلاقات الشخصية بين قيادات “داعش” – “النصرة”، كما صلات الرحم والمُصاهرات، والخطر والعدو الواحد ، لها دور أساس في تلك العلاقة، فالطرفان متدخلان نسبياً من حيث النشاط المدني، فغالبية القيادات تعرف بعضها جيداً، إما خلال المشاركات مع “القاعدة” في العراق أيام الاحتلال، وإما خلال المشاركات القديمة في مناطق البلقان، لكن العامل الأبرز يبقى عامل النساء!.
“أبو مالك التلّي” أو “الشامي” أمير “جبهة النصرة” في القلمون، اسمه الحقيقي ليس معلوماً، لكن ما هو معلوم أنه رجل أربعيني من مدينة “التل” في القلمون، يضح نظّارات طبيّة. هو “قاعدي” قديم قاتل بصفوف جماعة “بن لادن” منذ ظهورها في العراق ابان الاحتلال الأمريكي. بدأ حياته كقناص، وكان رفيقاً لـ “أبو مصعب الزرقاوي” الأب الروحي لـ”داعش”. تقول مصادر أنه أُصيب في الاشتباكات ثلاث مرات في القلمون ورُصدت له أدوار في التفاوض في ملف راهبات معلولا. الرجل متزوّج مرتين، كان معتقلاً في “سجن صيدنايا” في القلمون الذي خرّج ثلة الارهابيين كـ “زهران علوش، أبو عبدالله الحموي (أمير أحرار الشام) و الشيخ عيسى (مؤسس صقور الشام)”.
أبو مالك التلي
للرجل علاقات قوية مع “الدولة الإسلامية” وقيادتها في سورية والعراق، هو ما أهله لأن يكون مؤسس لفكرة الالتقاء مع “داعش” في القلمون. الرجل معروف عنه شدة معرفته الدينية كما أنه طليق اللسان. بالعودة إلى موضوعنا الاساسي، فإن للنساء دورٌ هام في علاقة “داعش” مع “النصرة”، وعبرها “أبو مالك التلي” مع أركان “داعش” والأمراء.
وتشير معلومات، أن والي دمشق في “داعش” التي تعتبر منطقة “القلمون” خاضعة لها عسكرياً في تقسيمات “داعش” الداخلية، وهو شخص غير معلوم الهوية بعد، يحظى بعلاقة طيبة مع “التلّي” منذ أن كانا يقاتلان سوياً في العراق، لكن الأبرز هو ما سُرب عن مصاهرة تجمع الرجلين، ما يفسر دفء العلاقة والخاصية التي تتمتع بها في القلمون.
وتشير المصادر، أن “نفوذ والي دمشق وكلمته لدى أمير التنظيم البغدادي، مكنته من احتلال موقع هام في التنظيم، وعليه بات الرجل صاحب فرضٍ وأمر على عناصره الذين ألزمهم بعدم القتال ضد جبهة النصرة في القلمون والبقاء على تحالف معها من خلال التلي”.
وعن دور النساء أيضاً، فإن ما اتضح منها هو العلاقة التي تجمع “التلّي” بـ “أبو علي الشيشاني” أحد أبرز قيادات “داعش” في القلمون. هذا الأخير وهو زوج “علا العقيلي” التي اعتلقت مع “سجى الدُوليمي” طليقة “أبو بكر الغدادي” في شهر 11 من قبل السلطات اللبنانية بتهم تتعلق بالإرهاب قبل أن يتم الإفراج عنها. يومها، خرج “الشيشاني” مُهدّد متوعّداً الدولة اللبنانية بشأن زوجته التي دخلت البلاد كـ “نازحةط. يومها أيضاً دخلت “النصرة” على خط “نصرة المجاهدة” التي جامعت “داعش” و “النصرة” مجدداً.
سجى الدليمي
“سجى الدُوليمي” هي الأخرى تعتبر جامعة لـ ” داعش” مع ” النصرة”. الجميع يذكر كيف تدخل “أبو مالك” للإفرج عنها في صفقة تبادل “راهبات معلولا”، وكيف سعى لضمها إلى الصفقة كما إخراجها من المعتقل السوي وكم ضغط من أجل ذلك. هي تعتبر طليقة “البغدادي” وزوجة قيادي آخر في “داعش”.
الإخلاص لـ “البغدادي” تلميذ “الزرقاوي” من “التلّي”، دفع الأخير إلى إرسال “أبو عزّام الكويتي” الذي قتل على يد حزب الله بعد وقت قصير من الصفقة في القلمون، للإشراف شخصياً على عملية التبادل وتحديداً، وصول “الدُوليمي” إلى النقطة، يومها كانت هذه على شفير التسبّب في إشكال مع قوى الأمن اللبناني بعد أن كان يمسك احد العناصر في يدها، وهو ما أثار غضب أبو عزّام. تدخل “أبو مالك” شخصياً إذاً للإفراج عن “الدليمي” التي تعتبر في الخط المقابل، لا بل إرسال “الكويتي” الذي يعتبر يده اليمنى بأمرٍ مباشر منه لاستقبالها وحماتها على الطرق، هو أمر يدل على قوة العلاقة بين أعلى هرم القيادتين في “داعش” و “النصرة”.
“أبو علي الشيشاني” بدوره، لا يرى عيباً في العلاقة مع “النصرة” وليست كفراً، على عكس ما كان رأي “أبو الوليد المقدسي” أحد أبرز شرعيي “داعش”، الذي كفرّ “التلّي” وحاول فط الارتباط بين قادة جماعته مع “النصرة” بالقوة ووصل به الأمر إلى قتل “الأمير العسكري أبو عائشة البانياسي” بعد أن رفض إنهاء العلاقة مع “أبو مالك” في هذه تدخلت أعلى السلطات في “داعش” لإنهاء الخلاف ما أدى لجزه في السجن وتعيين أمير جديد يتماهى مع “التلي”، وفق ما تُشير التسريبات. “الشيشاني” (اسمه الحقيقي أنس جركس) رجل قارب الثلاثيين كان يعمل في المعجنات في لبنان تحول إلى قائد “كتيبة درع الاسلام”، ومن ثم بايع “داعش” معها لتصبح “كتيبة الشيشاني”.
ابو علي الشيشاني
وكدليل على حسن علاقته مع “النصرة”، قال في مقابلة على صحيفة الأخبار قبل أشهر عن العلاقة بين “داعش” – “النصرة”، “إن طلبوا في الدولة روحي أعطيتهم إياها، وان طلبوا دمي أعطيتهم إياه من دون مقابل لأنهم أهل راية. هم يرفعون راية التوحيد ويُحَكّمون شرع الله. وإن طلبت جبهة النصرة دمي وروحي لفعلت أيضاً. جسدي وروحي قدامتها هدية للطرفين لكي يتصالحا ونتحد تحت راية الاسلام. وأسأل الله أن يرفع هذه الفتنة”.
“الشيشاني – التلي البغدادي” وأيضاً “والي دمشق” المجهول، امتداداً نحو أمير منطقة جنوب دمشق “فرّامة” ليسوا الوحيدين الذين على وفاقٍ تام على الرغم من «الحرب الجهادية» التي تدور رحاها في باقي الأنحاء السورية، فالمعلومات تشير أن مقاتلي الجماعتين من السوريين في القلمون يتقاسمون المصاهرة فيما بينهم وهم من عائلاتٍ واحدة تقريباً، وهو ما عمق الحلف، إضافة إلى العداء لحزب الله الذي جمعهما.
إذاً، فما يجمع “داعش” بـ “النصرة” في القلمون من النساء وصلات الرحم لهو أكثر مما يجمعهم في العسكر، وعليه، فإن الصلح مبني على المصاهرة، والعلاقات الشخصية التي بنيت في ظل نشاط القاعدة.
سيريان تلغراف