المشهد الآتي من العراق يبشر بتحولات جذرية في الجغرافيا السياسية للمنطقة، فبعدما دعا أوباما العالم وشعوب المنطقة خصوصاً، إلى التأقلم مع وجود إمارة “داعش” لسنوات طويلة، وعدم التفاؤل بفرصة التخلص من كابوس القتل المتوحش والإبادة للناس والتاريخ والقيم إلا بحرب طويلة يجب أن يشترك العالم كله فيها لسنوات عدة، نجحت وحدات الحشد الشعبي العراقي التي تشكل القوة المركزية فيها مجموعات عصائب أهل الحق بقيادة الشيخ قيس الخزعلي، بدخول مستشفى مدينة تكريت ليلاً ومن بعده مجمع القصور الرئاسية، ولا يزال التقدّم مستمراً في تكريت بعد حصارها من الجهات الأربع، ويبدو بحسب روايات المقاتلين هناك، أنّ مقاتلي “داعش” قد هجروها ولم يتركوا وراءهم إلا السيارات المفخخة، والبيوت المفخخة، وحتى بعض البساتين التي قاموا بتفخيخها.
قائد قوات عصائب أهل الحق، حزب الله العراق، دخل إلى تكريت على رأس قواته، وقد انضمّ إلى صفوفه مقاتلو عشائر تكريت الستمئة الذي يشكلون طليعة قوة من خمسة آلاف مقاتل ستكون جاهزة في الأيام المقبلة لتسلّم مدينة تكريت، بعد تحريرها وتأمينها وتفكيك العبوات الناسفة التي خلفها مسلحو “داعش”.
على ضفة موازية بدأت معركة الأنبار، حيث دخلت وحدات الحشد الشعبي ومقاتلو العشائر إلى ناحية الكرمة التي تقطع طريق الإمداد بين الموصل والأنبار وصلاح الدين، وتصبح مفتوحة على تكريت بعد تحريرها، ويتقدّم مقاتلو العشائر في الأنبار على أكثر من جبهة وهمّهم الرئيسي، وفقاً لمصادر عسكرية عراقية معنية بمتابعة أحداث المواجهة، هو بلوغ معبر القائم الحدودي بين سورية والعراق، الذي تتجه إليه أيضاً وحدات من مقاتلي عشائر دير الزور، مدعومة من الجيش السوري، بهدف إحكام الطوق على مجموعات “داعش”، ومنعها من التنقل بين الجغرافيتين السورية والعراقية، بينما قالت المصادر العسكرية ذاتها، إنّ التنسيق بين الجيشين العراقي والسوري قائم بقوة على رغم التحذيرات الأميركية للقيادة العراقية، لتفادي هذا التنسيق.
النتيجة الأولى لبشائر تحرير تكريت وتقدّم معركة الأنبار ودير الزور، كانت “الهستيريا السعودية”، التي استنفرت وسائل إعلامها لشن حرب نفسية على الإنجاز العراقي، وخصوصاً على مشاركة العشائر العراقية من ضمن الحشد الشعبي، بترويج تقارير عن خطر فتنة طائفية بسبب تكوين الحشد الشعبي طائفياً وممارساته المرفوضة من العشائر وقادة المناطق التي يدخلها مقاتلو الحشد الشعبي، كما قالت، وكانت الخيبة السعودية الكبيرة، عندما استحضرت فضائياتها، وجهاء العشائر وشخصيات سياسية ممن اعتادت دعوتهم، لإطلاق العداء لإيران، والتحدث عن الفتنة والانقسام الطائفي في العراق، لتكون المفاجأة، إجماعهم على تأكيد الشعور بالثقة بالحشد الشعبي والإشادة بما أسموه سلوكه المترفع عن الطائفية، ونفي ما يروّج له الإعلام التابع للسعودية عن أحداث طائفية رافقت عمليات تحرير محافظة صلاح الدين، والإجماع نفسه كان لجهة الشعور بالخذلان من الموقفين الأميركي والخليجي والإشادة بالدعم الإيراني للعراق، وهو دعم قالوا عنه: “لم نشعر أنه دعم يميّز على أساس طائفي، لقد نصرنا الإيرانيون بينما تخلى عنا الغرب والعرب، ونصرنا إخوتنا أبناء الجنوب والوسط وبذلوا الدم لحماية أعراضنا وجيوش الخليج تتفرّج على مذبحتنا”.
سيريان تلغراف