يبدو أن هيلاري كلينتون تحضر نفسها لتصبح رئيسة الولايات المتحدة الأميركية، أيضاً كارلي فيورينا، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة “إتش بي Hewlett-Packard” قد تدخل سباق الرئاسة أيضاً ممثلة للحزب الجمهوري.
وبغض النظر عن من سيفوز بالبيت الأبيض خلال 2016، فيبدو أنه في العقد القادم من الزمن، ستحذو الولايات المتحدة حذو بريطانيا، ألمانيا، البرازيل، الأرجنتين، تايلند، والكثير غيرها من الدول، في انتخاب امراة لأهم منصب في الدولة.
في حال حصول ذلك، يبرز السؤال، هل نستطيع توقع عواقب ذلك؟
نعم، والأخبار تبدو جيدة، فقد وجدت الأبحاث أن المرأة متفوقة على الرجل في معظم المجالات التي سيكون لها أهمية كبيرة في المستقبل، وليس ذلك مجرد مسألة ثقافة أو تربية، على الرغم من أن هذه العوامل تلعب دوراً أيضاً، لكنها مسألة تتعلق بعلم الأحياء وتأثيره بجوانب الفكر والشعور، أي بسبب الكروموسومات والجينات والهرمونات ودوائر الدماغ.
كتب دكتور ميلفن كونر لصحيفة “وول ستريت جورنال”، أن ذلك لا يتعلق بالمفهوم السائد أن المرأة مخلوق روحي رقيق، يجب أن تبقى بعيداً عن صخب الحياة التنافسية سواء في الأعمال أو في السياسة والحرب، حتى تتمكن من تربية الجيل الجديد، بل في الواقع هو يعني عكس ذلك تماماً.
ويوضح الاعتقاد السائد أن الحروب للرجال، مع أن مارجريت تاتشر، انديرا غاندي، و جولدا مائير، هم دليل على أن النساء يمكن أن يقودوا حروباً أيضاً، ولكن هؤلاء النساء استطاعوا تسلق التسلسل الهرمي من الذكور العاملين في السياسة، وربما استرجلوا مخالفين لطبيعتهم حتى شقوا طريقهم إلى الأعلى.
من ناحية أخرى، هناك كل ما يدعو إلى الاعتقاد بأن تسلسلاً هرمياً مستقبلياً لأمة، يعمل بقيادة النساء (اللواتي لا يقلدن الرجال)، في تعامل مع دول أخرى تحولت بنفس الطريقة، سيقلل من احتمالية اندلاع الحروب بين هذه الأمم، ولا يقتصر الموضوع على تقليل الحروب، ففضائح الجنس والفساد المالي والعنف كلها كانت، بأغلبية ساحقة، مسؤولية ذكور.
هذا، ويجب علينا التخلي عن وهم المساواة بين الجنسين، فالخطة الأساسية لجسم الثدييات هي جسم أنثى، وسبب وجود الذكور هو أن الجين كروموسوم (Y) يحرف الخطة الوراثية الأساسية، ويسبب تشكل الخصيتين، وإنتاج هرمون التستوستيرون، مانعاً التطور الأنثوي.
ويقوم هرمون التستوستيرون قبل ولادة الذكور بمنحهم الاستعداد مدى الحياة للعدوان الجسدي ويعطيهم نوعاً من الدافع الجنسي المفصول عن المشاعر، (طبعاً ليس كل الرجال، ولكن الغالبية العظمى).
وعلى النقيض من ذلك، فتقريباً معظم النساء محميات من هذا الاعتداء الهرموني، وتستطيع أدمغتها الاهتمام بالأعمال دون هذا النوع من الهذيان العدواني المشتت والمدمر.
وبحسب الدكتور كونر فالجنس البشري لم يعاني منذ الأزل من هيمنة الذكور على الإناث، فأسلافنا البدائيين الذين عاشوا في مجتمعات صغيرة متنقلة، كان الرجال والنساء فيها يتخذون قراراتهم سوياً، وبالطبع كان الرجال يحاولون الهيمنة منذ ذلك الوقت، لكن الأمر لم يكن بتلك البساطة، فاستطاع الرجل حينها أن يتباهى على النساء في مجال الصيد، لكن الحرب (المعزز العالمي لحالة الذكورة)، لم تكن شائعة بعد.
وتغير هذا عندما استقر الصيادون في تجمعات سكان أكثر كثافة، وأصبحت هذه الثقافات تحوي النبلاء، العوام، والعبيد، وقام فيها الكثير من الحروب، وأصبح الرجال بمعزل عن أسرهم بشكل أكبر، وأصبحت النساء تدريجياً أغراضاً لفتنة الرجال، بينما أصبحت السياسة لعبة الرجال، فتزايد استبعاد ومعايرة الرجال للنساء ووصمهم بالعار، وازدادت تلك الميول قوة مع انتشار الزراعة والإمبراطوريات.
ويمتلئ التاريخ بقصص مليئة بالجنس والعنف، تؤكد الهيمنة الذكورية آنذاك، وتلك الثقافة لم تنتهي في ذلك الوقت، بل سادت طوال العصور الوسطى و امتدت إلى عصر النهضة أيضاً.
ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ ولماذا بدأ بعض الرجال أخيراً بالتخلي عن امتيازاتهم؟
التحول الكبير في القرنين الأخيرين من الزمن في الانخفاض البطيء المتزايد لسيطرة الذكور، يمكن أن يعزى في جزء منه إلى تنامي أفكار التنوير بشكل عام، فتقدم تحرير المرأة جنباً إلى جنب مع التحرر التدريجي من العبودية (تشغيل الأقليات).
لكن العامل الأكثر أهمية كان التكنولوجيا، والتي جعلت تميز الرجال بالقوة البدنية وبراعتهم في الدفاع عن النفس، أشياء عفا عنها الزمن، فقد تم استبدال عضلات الذكور إلى حد كبير بالأجهزة والروبوتات، واليوم تقوم النساء بتشغيل المقاتلات وطائرات الهليكوبتر الهجومية، لتنشر قوة ما كان مصارع روماني ليحلم بها.
ومع ازدياد قوة المرأة في المجتمع، قد تتساءل: هل يمكن أن تصبح المرأة مثل الرجل؟
إن ذلك مستبعدٌ غالباً، ذلك أن النساء تفتقر إلى التركيبة البيولوجية التي تولد لدى الرجال ردود الأفعال العنيفة والمبالغ فيها عند الشعور بأي تهديدٍ صغير، والاستجابة المتهورة للإغراءات الجنسية.
وتزداد الأدلة على أن القادة النساء يعملن بشكل مختلف، فنرى النساء تشارك في الأحزاب السياسية في أقوى دول العالم، وتشارك في اتخاذ قرارات مختلفة، وتعترض على تنفيذ قرارات أخرى، لكن ماذا عن النساء في المناصب الحكومية التنفيذية؟ ليست هناك حتى الآن ما يكفي من رؤساء الدول من النساء لدراستهم بشكل منهجي، ولكن هناك ما يكفي منهم في مناصب حكومية اخرى.
وفي دراسة خلال 2006، قامت الباحثة السياسية لين ويكارت وزملاءها بمسح 120 من رؤساء البلديات، (65 امرأة و 55 رجل) في مدن يتراوح عدد سكانها حوالي 30 ألف نسمة، وقاموا بالمقارنة، فوجدوا أن رؤساء البلديات من النساء كانوا أكثر قابلية ليغيروا من عملية الموازنة ويسعوا في مشاركات واسعة.
ربما حان الوقت بالنسبة لنا للنظر في العودة إلى القواعد البدائية التي سادت لمدة 90% من تاريخ الإنسان، حيث يعمل النساء والرجال معاً في وظائفهم، يتشاركون، يتحدثون، ويستمعون لبعضهم، لم يستطع الرجال الهيمنة بالقوة حينها لأنهم لم يستطيعوا، كانت أصوات النساء تتعالى، لتوقف ذلك، نعم كان هناك عنف من الذكور بشكل عام، لكن ذلك كان في معظمه حوادث عشوائية، وليس عقيدةً فكرية.
والنساء لن تصنع العالم المثالي، لكنه سيكون عالم بعيوب أقل من تلك التي خلفها الرجال في حكمهم العالم خلال الآلاف من السنين، ومن المؤكد أن أحفادنا سوف يكونوا سعداء في عالمٍ جديدٍ، تسهم النساء بشكل أكبر في إدارته.
سيريان تلغراف