لعلها اكثر من مجرد صدفة ان يكون مثول ستيفان دي ميستورا امس امام مجلس الامن الدولي في نيويورك في وقت متأخر بحسب توقيت حلب، ما يتيح له ان يكرر بلهجة اكثر وضوحا ما قاله قبل ايام بان الرئيس السوري بشار الاسد جزء من الحل، وهو نأي أممي بالنفس عن المعزوفة السائدة منذ اربعة اعوام لدى قوى دولية واقليمية بأن لا تسوية ممكنة بوجود النظام.
وقلما تتلاقى المواعيد مع الجغرافيا والافعال الميدانية كما جرى بالامس في الريف الحلبي وقبلها في الريف الدرعاوي. ذلك ان التقدم المباغت للجيش السوري والحلفاء لإحكام الطوق حول حلب لم يكن فقط متزامناً مع تقديم المبعوث الاممي لمجلس الامن رؤيته للازمة السورية انطلاقا من خطة التجميد في حلب، وانما جاء أيضا بعد ايام على الاندفاعة القوية للجيش والحلفاء على محاور الجبهة الجنوبية في ريفي درعا والقنيطرة، وهي سلسلة رسائل حاسمة تقول الكثير في السياسة والميدان العسكري، ليس اقلها ان جانباً كبيراً من مأساة حلب، دخل منعطفاً حاسماً نحو نهايته الممكنة.
ليس ذلك فحسب. حملت ساعات الليل بالأمس أنباء عن دخول مجموعة من جنود الجيش السوري الى بلدة الزهراء، المحاصرة مع شقيقتها نبل، منذ نحو عامين، وهو ان كان دقيقا، يبشر بنهاية مأساة البلدتين، ويعزز مشهد الانكسار المؤجل للمجموعات المسلحة في الريف الحلبي كحركة «نور الدين زنكي» و «جيش المجاهدين» بالاضافة الى «جبهة النصرة» التي كانت لا تزال تقول حتى وقت متأخر من الليل انها تدافع بشراسة عن مزارع الملاح.
وبالاجمال، تقدم الجيش والحلفاء لاستكمال الطوق الحلبي تمهيدا لاستعادة العاصمة السورية الثانية بالكامل، عبر باشكوي وحردتنين وريتان التي شهدت اشتباكات عنيفة. كما تقدم الجيش الى تل مصيبين ودوير الزيتون وكفرتونه ومسقان، ويجري تطويق بيانون.
تتغير الوقائع الميدانية في الشمال السوري لا على جبهة حلب وريفها فحسب، وانما على جبهة عين العرب منذ نهاية كانون الثاني الماضي حيث لاحق المقاتلون السوريون الاكراد تنظيم «داعش» حول عين العرب، واستردوا منذ اسبوعين 163 قرية، واضافوا اليها الاحد الماضي تلة جنوبي عين العرب تقع في محافظة الرقة، معقل «داعش”.
تقول دمشق وقواتها المسلحة انها قادرة على المبادرة وبقوة، والحسم على اكثر من جبهة، وعرقلة مخططات تحاك للضغط عليها عسكرياً وسياسياً. احباط مؤشرات الهجوم من اطراف الحدود الاردنية في الجنوب السوري عبر الغوطتين نحو دمشق، وتعديل قواعد الاشتباك مع العدو الاسرائيلي في القنيطرة، ثم الاندفاع في ريف حلب لاحكام الخناق على الشره التركي تجاه المدينة، خصوصا ان انقرة كانت تعلن بالامس تحديدا انها تستعد لتوقيع اتفاق تعاون مع الولايات المتحدة بشأن تدريب مقاتلي «المعارضة المعتدلة»، واستخدامهم بطبيعة الامر في مناطق الشمال السوري حيث تختلط كل العوامل المتفجرة: وجها الارهاب التكفيري سواء «داعش» او «جبهة النصرة»، وتنظيمات موالية لتركيا وممولة منها، وفلول «الجيش الحر»، بالاضافة طبعا الى المقاتلين الاكراد.
الضربة بالتالي، هي في صميم مشروع «المنطقة المحايدة» التي يروج لها الاتراك منذ بدايات الحرب على سوريا، وحاولوا اكسابها الزخم الاضافي في الشهور الماضية، حيث كان يفترض ان يتحصن «مسلحو الاعتدال» تحت عنوان براق: محاربة «داعش”.
وقد تذهب خطة تأمين حلب عبر الجيش والحلفاء، أبعد مما يبدو، واكثر من مجرد بث الثقة في خطاب دي ميستورا امام مجلس الامن بشأن رؤيته الاكثر اتزانا لمسار الازمة السورية والموقف من النظام السوري. هذا التقدم الميداني المباغت يتيح للحكومة السورية الان ان تشذب «خطة حلب» الموسعة التي يطرحها دي ميستورا لتشمل حلب وريفها، بفصل الترتيبات في المدينة نفسها عن الريف حيث كانت الفصائل المسلحة تتوقع ملاذا آمنا اذا ما وافقت دمشق على افكار المبعوث الاممي لضم المدينة والريف سوية الى اجراءات وقف اطلاق النار والتهدئة.
يقول مصدر متابع للمشهد العسكري في سوريا ان تبدل الوقائع الميدانية في حلب وريفها، سيتيح لدمشق ليس فقط تهذيب خطة دي ميستورا وتحجيمها، وانما اعادة طرح رؤيتها بشأن «نموذج حمص» لتطبيقه على حلب، أي تغليب التسويات والمصالحات المحلية بما يتيح فعليا «استسلام» مسلحي الفصائل المتمركزين الان داخل حلب نفسها، بعد عزلهم عن محيطهم الريفي الذي كان مفتوحا على خطوط الامدادات من الاراضي التركية.
وبينما نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر ميداني قوله إن «الهجوم (في حلب) لا علاقة له» بالعمليات العسكرية في الجنوب، الا ان «العملية العسكرية (في حلب) تبين قدرة الجيش السوري على فتح عدة جبهات في وقت واحد»، اتهمت «حركة حزم»، المدعومة من الدول الغربية، «جبهة النصرة» بالتخاذل في الدفاع عن المنطقة، والقيام بمصادرة سيارات محملة بالأسلحة، مشيرة إلى أن هذا الأمر يجبرها على الانسحاب من مخيم حندرات.
وفي نيويورك، قال ديبلوماسيون ان دي ميستورا أبلغ مجلس الأمن أن الحكومة السورية مستعدة لتعليق قصفها الجوي لحلب ستة أسابيع للسماح بترتيب وقف لإطلاق النار في المدينة. وأشاروا إلى انه ابلغ المجلس انه سيسافر إلى سوريا لإجراء مزيد من المناقشات، من دون تحديد موعد محتمل لتعليق القصف الجوي.
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية تانغو بلجيتش أن واشنطن وأنقرة ستوقعان، خلال أيام، اتفاقاً لتدريب مسلحين «معتدلين» وتزويدهم بالعتاد. وسارعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي إلى تأكيد هذا الأمر.
وقال بلجيتش، في أنقرة، «أنهينا المحادثات، وسنوقع الاتفاق مع الولايات المتحدة بخصوص تدريب الجيش السوري الحر في غضون أيام»، مضيفاً «سنعلن جميع التفاصيل التقنية عند توقيع الاتفاق المكتوب، لكن هذا الأمر مرتقب في الأيام المقبلة”.
وقالت بساكي «توصلنا إلى اتفاق مبدئي لتدريب وتسليح مجموعات من المعارضة السورية»، مضيفة أن واشنطن «تنوي توقيع الاتفاق مع تركيا قريبا”.
وكان الجيش الأميركي أعلن، مؤخرا، أنه يعتزم إرسال أكثر من 400 جندي، ينتمي عدد منهم إلى القوات الخاصة، لتدريب مسلحين «معتدلين» في تركيا والسعودية وقطر في إطار إستراتيجية الحرب على تنظيم “داعش”.
وقال المسؤولون الأميركيون إنهم سيدربون نحو خمسة آلاف مقاتل سوري كل عام على مدى ثلاث سنوات بموجب خطة دعم المعارضة «المعتدلة”.
سيريان تلغراف