بينما كان العالم ينشغل بإعدام “داعش” لواحد وعشرين مصرياً في ليبيا، كانت مصر بشعبها وقيادتها تعيش مزيجاً من الحزن والغضب، وكانت الاتصالات السياسية تضع مصر أمام تكرار الاختبار الأردني، حيث نجح إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة بجعل الأردن ينخرط بصورة أقوى في السياسات الأميركية، خصوصاً المدبّرة ضدّ سورية على حدودها الجنوبية، وربما يتخلى عن تحفظات كثيرة كانت تضعه تجاه المزيد من مشاريع التورّط، وتفهم عمان مغزى رسالة إعدام الكساسبة لتكون عضواً منضبطاً في التحالف الذي تقوده واشنطن، ليس في القتال ضدّ “داعش” فقط وفقاً للتعليمات الأميركية التي تريد من الأردن كما قال منسّق التحالف، الجنرال جو ألن، وقد كان الأردن يرفض، قيادة تشكيل قوات برية تتدخل لحماية المواقع التي يتواجد فيها الخبراء الأميركيون، وتشكل نوعاً من التوازن في وجه الدور الإيراني، وصرح ألن مؤخراً بأنها ستفعل ذلك، بينما رفضت مصر منذ البداية المشاركة في التحالف احتجاجاً على حصر الحرب على الإرهاب نظرياً بـ”داعش” و”النصرة”، وعملياً بـ”داعش” فقط، فيما تتمسك مصر بإضافة “الإخوان المسلمين”، عدا عن ذهاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعيداً في منهج التعدّد السياسي والعسكري، في علاقاته الدولية، خصوصاً بعد ما كشفته الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة .
توضع مصر بقوة الدم والنار والصدمة، أمام الخيارات الصعبة، وتصلها الرسالة بمنع التنسيق مع سورية في مواجهة الإرهاب، كما وصلت إلى الأردن، فهل ستسير القاهرة على خطى عمّان، خصوصاً مع مشاركة رئيسها في قمة واشنطن لمكافحة الإرهاب؟
بانتظار الجواب المصري، كان مجلس الأمن يناقش مشروع قرار حول اليمن بدا أنّ الأهمّ فيه هو ما إذا كانت دعوة دول مجلس التعاون الخليجي لاعتماد الفصل السابع ستلقى آذاناً صاغية، ليتبيّن من مشروع القرار المتداول، أنّ أول ما جرى إسقاطه هو الفصل السابع، مقابل اعتبار الحلّ السياسي خليطاً من المبادرة الخليجية واتفاق السلم والشراكة، بينما اعتبر سفراء دول الخليج في نيويورك النقاش والنتيجة اللتين سينتهي إليهما مجلس الأمن مصدر إحباط .
اليمن المعلق على انتظارات الحوار الذي يديره المبعوث الأممي جمال بن عمر، تقابله أوكرانيا التي دخل اتفاق وقف النار فيها حيّز التنفيذ، وفقاً لما قاله وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس، الذي أكد أنّ نسبة التقيّد بالاتفاق تبشر بالنجاح وتوحي بالتفاؤل .
انتصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي بشرت به “واشنطن بوست” قبل أيام في قراءة اتفاق مينسك لوقف الحرب الأوكرانية، تلاه أمس، إعلان “نيويورك تايمز” انتصار الرئيس السوري بشار الأسد، في قراءة لإعلان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن مكانته الحتمية في أيّ حلّ سياسي، فقالت لم يقصد دي ميستورا بالتأكيد شراكة أخرى للأسد غير بقائه في الرئاسة، ومنحه الاعتراف الدولي بشرعيته الرئاسية، وهو يعلم أنّ الحديث عن ترك مصير الرئاسة للحوار بلا قيمة، لأنّ المطالبة بتنحي الأسد كانت العائق الأساسي أمام أيّ نتيجة من الحوار، وبزوالها قبل الحوار ستسقط كبند فعلي عن جدول أعمال أيّ حوار،
وعن الرهان على الانتخابات قالت إنه لو كانت لدى الغرب والمعارضة وصفة انتخابية للفوز على الأسد لما كان كلّ الذي يُقال عن حلّ تفاوضي، وكان الطريق تنظيم حلّ انتخابي، وختمت «نيويورك تايمز» أنّ كلام دي ميستورا يندرج دولياً بين، تمثيل تفاهم سمح له بقول ذلك من جهة، ومن جهة أخرى استباقاً منه كشرط لنجاح مهمته في الحصول على دعم علني لهذه الخطة، وهذا المواقف وهذه الالتزامات، وهو ما يبدو انه حصل عليه وسيحصل على ما تبقى منه، وهكذا ببساطة يكون الرئيس السوري قد خرج منتصراً بعد صموده أربع سنوات في وجه دول عظمى من الغرب والمنطقة.
سيريان تلغراف