ما بين البقاء و الرحيل تذوب ثلوج قلوب الأمهات كالشموع التي تذوب لتنير دروب أبناؤها و تتلوع قلوبهم من بسمة الوطن التي أصبحت دمعة و دم و صرخة مكبوتة بين الضلوع و مخنوقة بالحنجرة تجرحهم إن بقيت مكبوتة و تذبحتهم إن خرجت و تزيد من لوعتهم فهل طول مدة الأزمة أدخلت الخوف و اليأس إلى قلوبهم أم أن صبرهم قد نفذ و باتوا متأكدين أن مستقبل أبناؤهم لم يعد في داخل الوطن و يبقى السفر إلى الخارج هو الأمل الوحيد الذي يتعلقون به لتتأرجح أحلامهم على مرجوحة القدر و تتلاشى مع الوقت عندما تصطدم بأول عقبة فما هو الحل البقاء أم الرحيل … ؟؟ !!
بات حديث السفر كأي حديث عادي أسمعه كل يوم أكثر من مرة و في أي مكان فالغالبية باتوا يحلمون بالسفر إلى الخارج كوسيلة للهروب من الواقع الأليم الذي تمر به سورية و قد غاب عن ذهن الكثيرين بأن الأزمة التي تعاني منها سورية أصبحت أزمة عالمية لأن كل الدول تعاني من أزمة اقتصاد إضافة للحرب على الإرهاب فالعصابات التكفيرية الإرهابية لم تترك دولة عربية أو أجنبية إلا و طرقت بابها و زرعوا الرعب و الخوف في النفوس و هنا تتجلى صورة السفر إلى الخارج بأنها مرحلة هروب مؤقتة من الواقع و لن تغير أي شيء من مستقبل شباننا لأن ما ينتظرهم في الوطن هو أقل بكثير مما ينتظرهم في أي مكان آخر و الهروب من الواقع أصعب بكثير من مواجهته لأن المواجهة فيها أقل نسبة من المخاطر و الخسائر.
فالسفر إلى أي مكان في العالم يترتب عليه التزامات أخرى و منها ما يلي :
1- أي مسافر ستكون إقامته بالفترة الأولى بحكم اللاجئ سواء كانت أوراقه لجوء إنساني أو سياسي و إقامته بالتالي في أي دولة ستكون مؤقتة أو أنها ستبقى مجهولة المصير إلإ في حال ضمن نفسه بكفالة عن طريق عقد زواج أو عقد عمل أو لم شمل و هذه الأمور من الصعب تحقيقها في ظل هذه الظروف .
2- السفر للخارج يتطلب مصاريف كثيرة و أكثر مما يصرفه المواطن في الداخل بالإضافة إلى أنه بالفترة الأولى لن يكون له أي دخل مردود يعوض ما يخسره .
3- فرص العمل في أي بلد في ظل هذه الأزمة ضئيلة جداً فالعالم يمر بأزمة اقتصادية كبيرة سواء كان يحمل شهادة دراسية أو مهنة يدوية .
4- الغربة لا يعلم مرارتها إلا من تذوق لوعتها و عذابها و بالنهاية ستبقى جذوره داخل الوطن و بهذا تكون عودته لجذوره مؤكدة إن لم يكن في فترة بسيطة سيكون يوماً ما فلما كل هذه الخسارة .
خيرة شباب الوطن يتهربوا من خدمة العلم بالسفر إلى الخارج لأنهم يعيشون حالة من الرعب الداخلي المجهول المصير في ظل هذه الحرب التي فاقت الخيال و طالت مدتها حتى نفذ صبرهم و باتت صور النعوش ترافقهم و شبح الموت يخيم عليهم و تتكئ أحلامهم على عتبة الزمان و القدر منتظرة رحمة رب العالمين فلا حلول ترضي مستقبلهم و تطلعاتهم سوى الرحيل و لكن من يحمي الوطن إن رحلوا …. ؟؟؟؟
من حمى هذا الوطن هم الفقراء بصبرهم الذي فاق صبر الأنبياء و بإيمانهم بالله عزّ و جلّ و بثقتهم الكبيرة بالجيش العربي السوري ثامن معجزة في الكون و القائد الذي يسير بنا إلى برّ الأمان فقد صّمموا بأن لا يفارقوا حجارة الوطن حتى لو ساءت حالهم و التحفوا سماؤه و تنشقوا عطر محبته لأنهم كانوا و لا يزالوا واثقين بأن كبرياء الإنسان و كرامته هي في الوطن .. فالوطن هو الكرامة و الكبرياء و في النهاية كلنا راحلون و الوطن باقي و نموت نحن لتحيا أوطاننا و تحيا سورية بنبضة قلوبنا و لأجل كل نقطة دم سالت من أجل حرية هذا الوطن باقون حتى النصر أو النصر فلا خيار لنا سوى النصر.
سيريان تلغراف | دنيز نجم
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)