الى الراعي الصالح، البابا فرنسيس،
هذه رسالة من مواطنٍ مشرقي سوري مسيحي ،
يا قداسة البابا، اسمح لي أن أخط هذه الأسطر كي أقـول لك أننا، كَ سوريين، نـقـدّر جدا كافة مداخلاتك التي تشجّـعـنا على البقاء متجذّرين في أرض آبائنا واجدادنا المقدّسة… كما أننا نثمّن عاليا إداناتِـك الصريحة للمظالم التي عانـيـنا ونعاني منها، عـبر العصور، اذ أنّا نعـيش الشهادة يوميا… وصوتك الصديق لصالح المواطن السوري والعـراقي يحرّك في قلوبنا مشاعر الرعـية التي تسمع صوت “الراعي الصالح الذي يعرف خرافه بأسمائها…”
قبل حوالي السنة، قمت بزيارة الى الأردن والى فلسطين المحتلة، وقد لفت نظرك البعض أن هنالك شعب معّذب بحاجة لمن يشدّ ازره ويساعده على تحمّل البلاوي التي خلقها له غربٌ يدعيّ المسيحية وشرق يدعي الأخوّة والرحمة الإسلامية، أعني الشعب السوري الجبار، والجيش السوري الصامد، والرئيس السوري الصابر الحكيم، في عاصمته العصّية الأبيّة…
وها قد أنهيتَ مؤخراً زيارة راعوية الى تركيا، يا قداسة البابا… لِ أسفـنا الشديد، كَ سوريين مسيحيين مشرقيين، كنا نتمنّى أن تأخذ هذه الزيارة طريق دمشـق التي تعـيش حاليا “درب الصليب” ومنذ حوالي اربع سنوات، بِدور عـبادتها وكنائسها ومساجدها واديرتها وشعبها… كيف نبرّر لإخوتنا المسلمين نسيانَ راعينا وحبرنا أننا رعيته المعذبة ؟…
هذه زيارة الحِجة الى القسطنطينية كان من الأفضل أن تتوجّه الى الموصل حيث اختصرت ‘داعش’ مسيحييها بحرف واحد ‘ ن ’ أي نصارى وكتبوه على بيوتهم بعد الإستيلاء عليها وطردهم منها بالثياب التي يرتدونها مواطنو المشرق يحـبّـونك ويحترمونك، وهم معجبون بِ الراعي الصالح لِ قرب اسلوبه من الشعـب، إنهم معجبون بنظراته الأبوية الطيبة وبقراراته الشجاعة لِ تجديد كنيسة المسيح… لكنّهم كانو يفـّضلون أن تقـود نجمة المشرق خطاه نحو بيت لحم وليس نحو أنقرة : لأن مواطني المشرق يعرفون ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان : هو رجل التحالف الواضح مع الفاشية الدينية الإسلامية المتمثـلة بِدول التعاون الخليجي مع الدواعش والنصرة وإخوانها وأخواتها والتي تحلم بالسيطرة على مقدّرات العالم، تحت راياتها السوداء.
رجب طيب اردوغان : هو رجل الحلم الطوباوي بِ إعادة بناء الخلافة العثمانية والسيطرة على بلدان المشرق والمغرب بِ فضل ملايين الأتراك الذين يعيشون في اوروبا، وهم بغالبيتهم دعاته وخلاياه النائمة غب الطلب.
رجب طيب اردوغان : هو وريث الخليفة عبدالحميد، سيء الذكر، الذي قام بِ المذبحة الرهيبة “سَيْفو” التي قتلتْ ما يقارب المليوني مسيحي خلال سنة 1915، مليون ونصف من الأرمن والباقون من السريان والكلدان والأشوريين والبونتيك.
رجب طيب اردوغان : هو رجل يحلم، ليل نهار، بِ إدخال تركيا في مجـمـوعة الإتحاد الأوروبي مع الثمانين مليـون تركي وأغـلبيتهم أشد تعصبا إسلاميا من سلفيي بني سعود وأقلّ علمانية من أتباع مؤسس تركيا الحديثة أتاتورك.
رجب طيب اردوغان : هو رجل الباب المفتوح على مصراعيه، أمام كافة جهاديي ومرتزقة العالم، والذي سمح لهم بالتجول والإنتقال بكامل حريتهم في ارجاء تركيا، قبيل التوجه الى الأراضي السورية لِ محاربة دولة ذات سيادة.
رجب طيب اردوغان : هو رجل نصبِ الألوف من الخيام لِ استـقـبال اللاجئيـن السوريين، وهو الذي شارك في التخطيط لِ تهجيرهم من مساكنهم وقراهم قبل أن يكون هناك معارك تستوجب الهروب او النزوح او الهجرة.
رجب طيب اردوغان : هو الرجل الذي استقبل مرحّبا بكل المتآمرين، من قطر والسعـودية والإمارات والكويت والمنشقّـيـن والعملاء السوريين التابعين للمخابرات الذين شكّلوا المجلس ثم الإئتلاف الوطني السوري، لِ يحاربوا جيش الوطن السوري وهم مقيمون في فنادق الخمس نجوم في اسطمبول.
قد يقـول قائل : ان الرئيس السوري وحكام سوريا ليسوا قديسين وأولياء، ربما كان هذا الكلام صحـيحا، لكن الأصح هو ان الدولة ذات السيادة والشرعية عليها واجب مقدّس الا وهو ان تحمي نفسها وتدافع عن مواطنيها.
قد يقـول قائل : على الرئيس السوري ان يتنحّى كي يُبعد حمّام الدم عن بلاده، علما بأن الشعب هو الذي أعاد تنصيبه بكل حرية… لكن السؤال الذي يفرض نفسه والذي حيّر الجميع ولا سزال : من المؤهل لِ يَخلِفه ؟… داعش، النصرة، الإخوان المسلمون او الذي يقطع راس المواطن ليلعب به الأطفال كرة القدم ؟… أو الذي يذبح وهو يصرخ : الله أكبر!…
حين تواجه السفينة خطر الغرق، على القبطان أن يكون آخر من يغادرها وبعد كل الركاب، كي لا يتعرّض للمحاكمة كخائن والرئيس السوري قد قرّر ان يعيش أبيّا مع شعبه او يستشهد عـصيا مع شعبه وجيشه البطل.
وبالعودة الى الزيارة التركية وبالتمنيات الحوارية مع داعش وحلفائها : لا يمكن ان يتمّ حوار بنّاء مع الفاشية الدينية فهي ترفض حق الحياة للآخر. داعش وإخوانها وأخواتها تـدّعي أنها تمثّـل الله على الأرض وبِاسم الله تذبح عدوها وتدنّس بيوت العـبادة وتفقأ عيون المسيح وأم المسيح. التكفيريون والوهابيون لا يألون جهدا كي يزيلوا اسم المسيح وأمه من القرآن، في حين أن القرآن يذكرهم بمحبة واحترام، و اسماؤهم محفورة في القلوب.
يا قداسة البابا، المسيحي المشرقي يسألك : ما هو جواب الرئيس التركي اردوغان حين استفسرت منه حول مصير أسقفيْ حلب، الذيْن خطفهما الشيشانيون بتاريخ 23.4.2013 واقـتادوهما نحو أراضيه العثمانية.
يا قداسة البابا، إن المواطن المشرقي كان يفـضّل ان تحجّ الى دمشق، كي تـتعـرّف على حركات التمرد التي ذبحت مائتي الف انسان، حسب ادعاءات من خطّط وموّل وسلّح ودرّب، وكان يفـضّل أن تحـجّ الى دمشق كي تشاهد القديس حنانيا الذي عمّد بولس رسول الأمم حامل البشارة الصالحة الى روما، ولا تتوجّه الى حامل لواء العثمانية التي تضطهد السوريين.
وها أنت، يا قداسة البابا، تزور اليوم جزيرة في المحيط الهندي، وقد حلّقتْ طائرتك فوق أنطاكيا اولى كرسيي البابوية، كما حلّقت فوق دمشق الرسول بولس. لماذا يا سيدّنا البابا الطيب لم تهبط في الوطن الذي يُذبح شعبه كل يوم، باسم ديموقراطيةِ الرياء والكذب والمصالح الحقيرة، وبدعم من زعماء غرب خاضع خانع لِ قوّاتٍ ظلامية مجرمة؟… لن أذكر ما فعل معلمنا الراعي الصالح حين فقد إحدى نعاجه… لكني على يقين، أن يسوع لو اقتربت طائرته من دمشق، لَ كان طلب من الطيار أن يهبط على أرضها المقدسة كي يواسي الشعب المعذّب ويعيش مأساته…
وأتخيّل كافة وسائل الإعلام المتواجدة في دمشق، تهرول مسرعة الى أرض المطار، ليسمعوا سيدنا البابا الطيب فرنسيس، وهو يقول : ” لن أغادر سوريا قبل أن يُجمِع كل زعماء العالم على إحلال السلام على الأرض التي انطلقتْ من عاصمتها البشارة الصالحة التي علمتْ البشرية : ” الله محبة “… فَ الفاتيكان يمكن أن ينتظر… وجزيرة سيريلنكا يمكن أن تنتظر… أوروبا وأميركا والعالم كله يمكن أن تنتظر… المعذبون والمحرومون في الأرض لا يمكن أن يتحمّلوا الذبح والإغتصاب والبرد والجوع والمرض والحرمان !… “
لا أجرؤ وأقول ان المستـشرق، مهما بلغ تعـمّـقـه ورغـم كل نواياه الطيبة، لن يتـفّهم ابدا روح المشرق… فالغـرب لا يريد أن يعـتـرف بأن مشاكل المشرق هي نتيجة تلك الدولة الصغيرة التي خلقها سنة 1948… وها أنا أذكّر ان هذه الدولة كانت أول من هجّر المسيحيين من الأراضي المقدسة نحو الجهات الأربع، وعددهم حالياً لا يتجاوز 150.000…
في أوائل هذا الشهر، أقيم مؤتمر في عَـمّان تحت اسم “المسيحـيـيـون العرب والربيع العربي” بتمويل من مؤسسة أديناور وفي بيانه الختامي لم يأتِ على ذكر قرار الدولة ذات اللون الحصري اليهودي، الذي يرفـض المواطنة للسكان الأصليــيـن سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين !… يا قداسة البابا، مسيحييو المشرق يشعرون، أن الغرب يعمل جاهدا على إلغاء وجوده وتشريده في أصقاع الأرض. هذا امر صار معروفا للقاصي والداني والقناعة موجودة لأن البراهين الحسية متوفّرة :
كم هو عدد الأرمن والآراميين واليونان والبونتيك المشردين في العالم ؟…
كم هو عدد اللبنانيين الذين غادروا بلادهم الجميلة منذ خمسينيات القرن الماضي ؟…
كم هو عدد المسيحيين الفلسطينيين الذين تركوا أرض المسيح المقدسة منذ سنة 1948 ؟… وأقباط مصر… وآراميو العراق… ومسيحييو سوريا ؟…
يا قداسة البابا، شعب سوريا الأبية، بمسلميه ومسيحييه، فقد حلاوة الإبتسامة والأمان والإستقرار والسعادة…
يا قداسة البابا، ننتظر مجيئك لأننا نشعر بالعذاب لأن البلاد والقلوب بدأت بالتصحّر، على يد الجهل والجاهلية. يا قداسة البابا، بمناسبة ذكرى ميلاد المسيح في مغارة بيت لحم، كتب أطفال سوريا، هذه الرسالة الى بابا نويل :
” نكتب لك راجين ان تعيد لبلدنا الحبيبة الأمن والسلام… لانريد منك لا ألعاب ولا هدايا، أعِد لنا الإبتسامة فقط…”
أضمّ صوتي الى صوت أطفال سوريا، يا قداسة البابا، راجيا أن تأخذ إجازة مفتوحة من بلاد الغرب وتحمل عصا الراعي الصالح وتحجّ الى دمشق العزة والكرامة، وتستقـرّ في احدى كنائسها او اديرتها، وتبلّغ العالم الغربي أنك لن تعود الى الفاتيكان قبل ان تفرض القوى الغربية والشرقية حلاً ينهي المآسي على أرض قدّسها الأنبياء، رحمةً بمن فقد البهجة والسعادةوالسعادة…
لوجانو في 15.1.2015
سيريان تلغراف | فؤاد عزيز قسيس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)