الكثيرين من المحللين السياسيين و الإعلاميين و الصحفيين ممن لمعت أسمائهم في الأزمة التي حّلت على الوطن العربي سواءً كانوا في الداخل أو الخارج و الكثيرين منهم تعرضوا و ما زالوا يتعرضوا حتى هذه اللحظة للتهديدات بالقتل و الذبح و الخطف و التشهير بالسمعة و لكن لم نسمع أبداً عن ما يعانيه الشرفاء المقاومين في الخارج فهل هذا الأمر نعتبره تقصير من الإعلام أم أن الشرفاء المقاومون فضلوا الصمت لأن حياتهم و حياة أقربائهم و ذويهم في خطر أم أنه حكم غير مباشر بالذبح أصدره عليهم كل من حكم عليهم بالموت السياسي من وجهة نظره دون أن يفكروا للحظة واحدة بأن هؤلاء الشرفاء يدفعون الثمن غالي جداً و يموتون في كل لحظة صمت يعيشونها آلآف المرات و هم يستقبلون الطعنات في صدورهم و لم يسقطوا على الأرض بل ما زالوا يحاولون الصمود رغم الصعاب فقط من أجل كرامتهم لأنها أغلى ما يملكون فالكرامة هي الوطن .
أين هي الحقيقة و أين تاهت كلمة الحق بحق هؤلاء الشرفاء المقاومين و من المسؤول عن هذه الجرائم البشعة التي تخل بالشرف و التي يرتكبها البعض بقصد أو بغير قصد و يتبناها بعض الأغبياء و يبدأوا بالتطاول عليهم ليقتلوهم مرتين دون أن يحاسبوا على جرائمهم الشنيعة و قد صدق المثل الذي يقول أن : ” قاتل الجسد محكوم عليه و قاتل النفس لا أحد يدري به ” و لكن إن كان قانون العدالة على الأرض لا يطالهم لأن جرائمهم غير مرئية فعدالة السماء ستنال منهم لأن يد الجبار لهم بالمرصاد مهما طال الزمن و حتى لو اختبؤوا في بطن الحوت لن ينجوا من جرائمهم و من عذاب الآخرة فمهما تنوعت الجرائم تبقى جرائم الشرف هي الكارثة الحقيقية و الأكثر إرهاب في العالم لأنها تميت الإنسان قبل أن تقتله و الشرفاء تحييهم الذاكرة و تخلدهمحتى بعد رحيلهم فأين تاه الشرفاء في بحر ظلم الإنسان لأخيه الإنسان .. ؟
في كل يوم أقرأ عدة مواضيع و أسمع الكثير عن محاولة إعادة بناء سورية الحديثة و إعادة إعمارها و لكني أتفاجئ بكيفية بنائها و أنا أرى الكثيرين ممن يوجهون أصابع الإتهام على شرفاء الخارج أو على المغتربين بشكل عام بأنهم لا يحاولون مد أياديهم للتعاون بحركة الإعمار بأي شكل من الأشكال فكيف يشارك المغترب من هم في الداخل همومهم و يقف إلى جانبهم و يحتويهم بسعة قلبه الطيب دون أن يسمعوا أنينه و عذابه و يمدوا أياديهم له ليخففوا عنه آلامه و يضمدوا جراحه و يكونوا له الصدر الحنون الذي يحتاجه في غربته التي يتذوق مرارتها مرتين دون أن يئن و يشكولأنه يخاف العتب و اللوم .
كيف تريدوننا أن نبني وطناً آمناً يهنئ بالسلام و الإستقرار لنعيش فيه سوياً بسلام دون أن يسكن السلام الداخلي أنفسكم .. ؟ فهل أصبح أنين المغترب عبئ على المواطن في الداخل و كيف نريد أن نغير كل شيئ من حولنا دون أن نغير من أنفسنا و متى ننتهي من كلمة ” تنظير ” فكلما تلفظ المغترب بحرف أو نصح من هم في الداخل بما يفيدهم لحل مشاكلهم قالوا له باللغة العامية ” حاجة تنظر علينا من الخارج ” و كلما ضحك المغترب حسدوه على فرحه رغم ألمه و اعتقدوا بأنه سعيد و هو كالطير المذبوح يتلوى من غربته و بعده عن وطنه و الهم يأكل من جسده و عافيته و إن اشتكى حسدوه على حياته و جعلوه يهرب منهم لأنه أصبح يشعر بغربة كبيرة بينه و بين أبناء وطنه فكانت غربته غربتين .
الغربة لم تكن يوماً بالجسد بل الغربة هي غربة الضمير و غربة المحبة عننا فمنذ متى أصبحنا غرباء عن بعضنا البعض أم أن الأزمة كانت خير شماعة نعلق عليها كل أخطاؤنا فقط لنبرر لأنفسنا ما نفعله من إجرام بحق غيرنا و بلا طولة سيرة و نكتفي بالقيل و القال و الثرثرة على فلان و علان و هذه هي أزمتنا الحقيقية بأننا اغتربنا عن أنفسنا و عن ضمائرنا و عن وطننا فمتى نعود إلى سابق عهدنا و نعرف أن الله حق و أن الظلم هو جريمة و أكبر جريمة قمنا بها بحق وطننا لأننا دمرناه بأيادينا و كل غلطة يرتكبها أحدنا لا أحد يدفع ثمنها سوى الوطن و الوطن ليسش بحاجة للتنظير بل بحاجة إلى ثورة محبة تعيد له بسمة أطفاله الذين أصبحوا شغلة من لا شغل له فالمحبة وحدها من تعيد بناء الأوطان و ليس الحجر و الكنائس و المساجد الحقيقية هي المبنية في داخل كل منا بضمائرنا و قلوبنا و ليست بحجارتها .
عودوا يا أبناء الوطن الواحد إلى ضمائركم فالندم لا ينفع لأن حربنا هذه هي حرب بين الخير و الشر بين الحق و الباطل و صوت الحق يعلو و لا يعلى عليه لأنه صوت الله فينا .
سيريان تلغراف | دنيز نجم
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)