تخمة في المفاوضات والاتفاقات الفاشلة والمؤجَّلة عاشها مخيم اليرموك في دمشق منذ اقتحام المسلحين له أواخر عام 2012. حالة اليأس التي أصابت أكثرية المنتظرين، مهَّدت الأرضية للحديث عن فكرةٍ جديدة: «لواء اليرموك»
فخلال عامين، شهدت المنطقة الممتدة من مخيم اليرموك إلى حيّ التضامن الدمشقي، ثمانية اتفاقاتٍ لتحييد المنطقة عن الصراع الدائر في سوريا. في كلِّ مرة خرج فيها المفاوضون إلى الشاشات ليعلنوا «اتفاقاً نهائياً» بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة، كانت الاشتباكات تجد ثغرة لها في جدار الاتفاق الموقَّع. موجة طويلة من المواجهات ينهار فيها الجدار، ليعاد بناؤه مع إحدى المبادرات الجديدة.
على طول الخط، شكّلت الاغتيالات واقتحام مواقع جديدة، السلاح الأبرز في وجه المبادرات الجديدة. خلال شهر آب الماضي فقط، وصل عدد محاولات الاغتيال في المخيم الذي لا تتجاوز مساحته الجغرافية 2.6 كيلومتر مربع، إلى أكثر من خمس عشرة محاولة اغتيال طاولت وجهاء ووسطاء ومتابعين لملف المفاوضات في اليرموك، فيما شهد المخيم خلال هذا الشهر اغتيال محمد يوسف عريشة. وعريشة واحدٌ من أبرز المشاركين بعمليات الإغاثة داخل اليرموك. الشاب الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره، يعرفه الكثيرون من أبناء المخيم كواحدٍ من أبرز الباحثين عن تسوية تطوي صفحة الصراع. «تجمع أبناء اليرموك» هو الإطار الذي عمل من خلاله عريشة لتسهيل المفاوضات وتأمين إغاثة مدنيي المخيم. «كانت الأعداد الضخمة التي خرجت معزيةً في جنازته دليلاً على المزاج الشعبي العام الذي يريد الانتهاء من الحرب في المخيم، وعودة الأهالي ووضع حد للمعاناة المستمرة باستنزاف الجميع»، يجزم خالد العمري، أحد سكان اليرموك.
ينقسم النفوذ المسلَّح في المخيم المحاصر بين عدد واسع من التشكيلات العسكرية التابعة إلى «الجيش الحر» المحافظ على قوته في المخيم، خلافاً لوضعه العسكري في عموم سوريا، ومقاتلي «جبهة النصرة» الذين يقتصر دورهم في الداخل على حماية بعض المداخل والحارات المتاخمة لنفوذ «داعش» في الحجر الأسود، بالإضافة إلى عمليات الإرهاب الداخلي بحق المدنيين عبر تطبيق «الحدود الشرعية»، بما فيها عمليات الإعدام التي وصل عدد ضحاياها إلى أكثر من 28 مدنياً منذ اقتحام اليرموك.
الصورة من منظور الجيش السوري مختلفة. ثمة قناعة راسخة لدى العديد من الضباط والعساكر بأن نتائج أي معركة مفتوحة داخل المخيم ستكون محسومة لمصلحة الجيش السوري، غير أن «خصوصية اليرموك، تفرز خصوصية في التعامل العسكري معه»، إذ إن عدم اقتحام المخيم بات من بديهيات التعامل مع حالته، حسب ما أكدت مصادر عسكرية لـ«الأخبار».
أمام هذه «الخصوصية»، انتشر خلال الأيام الماضية، في عددٍ من وسائل الإعلام السورية الرسمية والخاصة، الحديث عن إمكان تشكيل فصيل عسكري من الأهالي النازحين من مخيم اليرموك، بالإضافة إلى عدد من مقاتلي بعض الفصائل الفلسطينية المؤيدة للفكرة. وستكون مهمة الفصيل ــ الذي سيحمل مسمى «لواء اليرموك» ــ تحرير المخيم من مقاتلي المعارضة المسلحة، وحمايته من أي خروقات جديدة. استوحى المعنيون الفكرة من الشمال الشرقي لمحافظة حلب، حيث شكَّل أهالي مخيم عين التل (المشهور بمخيم حندرات) «لواء القدس» الذي لا يزال يخوض معارك يومية مع مقاتلي المعارضة المسلحة على مشارف المخيم.
إذا تمت هذه العملية، فلن يقتصر القتال على من هم خارج اليرموك، بل ستمتد لنجد تأييداً لهذا اللواء من داخل المخيم أيضاً، «حيث الأكثرية الساحقة من المدنيين هنا محتقنون من حالة اختطاف المخيم والمتاجرة به، وينتظرون الفرصة السانحة للهجوم على كل من يريد استمرار هذا الوضع في اليرموك»، يقول لؤي بدران، أحد الشباب المحاصرين داخل المخيم، في حديث مع «الأخبار».
من جهة أخرى، ترفض مصادر عسكرية أي كلامٍ حول قرار اتخذ بطيّ صفحة المصالحة والتسويات الميدانية، حيث ستبقى «استراتيجية الجيش قائمة على مدّ يد العون لأي جهود من شأنها حل أزمة مخيم اليرموك سلمياً، وبشكلٍ يضمن عدم عودة السلاح إليها». وفي ما يخص «لواء اليرموك»، أكدت المصادر نفسها في اتصالٍ مع «الأخبار»: «لا نملك فكرة وافية عن هذا الاقتراح بعد، ولا نظن أنها قد نضجت بشكلٍ كامل. لكن الجيش سيكون داعماً لأي مبادرة شعبية هادفة لإعادة الاستقرار إلى أي من بقاع سوريا».
سيريان تلغراف